اجتماعية مقالات الكتاب

صداقة حقيقية .. وأخرى «إلكترونية» جافة عابرة

الصداقة إحدى أهم العلاقات الإنسانية النبيلة التي يقيمها الفرد مع الآخرين حوله، فالإنسان بطبيعته يسعى إلى التواصل مع أشخاص يشاطرونه اهتماماته ويحرصون على مساعدته ويستمعون إلى مشكلاته مبادرين بحلها وواقفين معه وقت الأزمات، فالإنسان وفقاً لمقدمة ابن خلدون “حيوان اجتماعي بطبعه ….. إلخ”.

وهي علاقة بين شخصين أو أكثر في السراء والضراء تقوم على الود والثقة والإخلاص والتكاتف والنصيحة الصادقة وغيره وتخلو من المصلحة والمجاملة وحب الذات والقصد السيء والخيانة وغيرها، وهي مهمة في حياة الفرد التي تعتريها الشدة والأوقات الصعبة إذ لابد من صديق يقف إلى جانبه مؤازراً ومواسياً له، فمن من الناس لا يحتاج إلى صديق يقف يكون سنداً له ويعينه في مشكلات حياته ؟.

الإنسان لا يستطيع العيش دون صديق يشاطره آماله وآلامه ويبث إليه همومه وأحزانه بل حتى أسراره، والظفر بصديق حقيقي هو كنز يجب الحفاظ عليه، ولها فوائد جمة إذ تقلل من الإحساس بوحدة الفرد وعبرها يتشاطر الأصدقاء تجاربهم وما مر عليهم من مواقف في حياتهم وفق مفاهيم ومبادئ مشتركة كما تعمل الصداقة على الارتقاء بأداء الفرد فالأفراد الذين يحظون بصداقات جيدة يحققون مردودات أفضل في أعمالهم كما تساهم في الصحة الوجدانية والجسدية للفرد وتتيح المشاركة والتفاعل مع الأصدقاء وإضفاء السعادة والتقليل من الشعور بالانعزالية والحزن وتنمي الفرد صحياً خاصة الأطفال وغيره.

إن تداعيات وسائل التواصل الاجتماعي قد انسحبت على كافة العلاقات الاجتماعية وقد تأثر مفهوم الصداقة جراء هذه الوسائل وأضحت هنالك صداقة إلكترونية موازية للصداقة الواقعية الحقيقية، بيد أن هذا النوع من الصداقة (صداقة النت) هو سطحي عابر لا يمكن مقارنته بالصداقة الحقيقية، إذ إنها تحفل بالكثير من الغش والخداع والكذب بل والابتزاز ويشوبها النفاق والمجاملات ويعوزها عنصر التواصل المباشر ولغة الحضور الجسدي التي توضح المقاصد الحقيقية للكلمات والعبارات استناداً إلى الصوت والنظر وغيره، كما أن رسائلها مصطنعة وجافة من الأحاسيس وغالباً ما يصاحب هذه الصداقة تداعيات “إلكترونية” غير محمودة وإنهاء لها بسبب بسيط مع عدم الإحساس بصداقة حقيقية واقعية.

بقيت الإشارة إلى أهمية التمحيص في اختيار الصديق للوصول إلى صديق حقيقي، صديق يكون مسانداً صديقه في الضراء قبل السراء، صديق يبرر بالنية الحسنة أخطاء صديقه ويلتمس العذر إذا أُخطيء في حقه، صديق نتحدث إليه كأننا نتحدث إلى أنفسنا ونفضي إليه بالسر ونحن موقنون ألّا أحد غيره سيعلمه، بخلاف صديق السوء بمضاره التي لا تُحصى على من يتخذه صديقاً. وقديماً قيل “عدو عاقل خير من صديق جاهل”. وقال المتنبئ في ذات المعنى:
ومن العداوة ما ينالك نفعه ومن الصداقة ما يضر ويؤلم

J_alnahari@

باحثة وكاتبة سعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *