عبد الله صقر – مركز المعلومات
“شرح الجرَّاحُ الكبير أبو القاسم الزهراوي علمَ الجراحة، وابتكر طرقاً جديدة في الجراحة، امتدَّ نجاحُها فيما وراء حدود إسبانيا الإسلامية بكثير، وكان الناسُ من جَميع أنحاء العالم المسيحي يذهبون لإجراء العمليات الجراحية في قرطبة”
(المستشرق الفرنسي جاك رايسلر في كتابه “الحضارة العربية) لكثرة ما قدمه للعلم.
يعد اسم الزهراوي أكثر اسم يستخدم كمرجع في علم الجراحة الطبية من العصور الوسطى. بل ولكونه رائد الجراحة الحديثة، كان أبو القاسم الزهراوي معلماً عظيماً. فكان لنصوصه الطبية دور كبير في تشكيل العمليات الجراحية الأوروبية حتى عصر النهضة وما بعده.
لم تكن شهرة الزهراويَّ كونه مجرد جرَّاحٍ عربي ورائد الجراحة الحديثة فقط فما ملأ صيته الآفاق هي الأدوات الجراحية التي وصفها واستخدمها لمختلف أنواع الجراحات ومنها الجراحة العظمية كالملقاط والمشرط، وكان أول من استخدمها جراحياً.
وعملية وصف الزهراوي للأدوات الجراحية تدل على انه هو من قام بابتكارها ومعظمَ ما كان يستعمله من آلاتٍ، وإذا كان بعضُها معروفاً فهو قد أدخل عليه تحسيناتٍ وطوَّعه للاستعمال الطبي وجرَّب فاعليَّته بنفسه في العمل.
كما اخترع العديد من أدوات الجراحة كالتي يفحص بها الجسم الداخلي، والذي يدخل أو يخرج الأجسام الغريبة من وإلى الحَلْق والتي تفحص الأذن وغيرها، فهو قد وصف المثاقب العظمية بأنواعها موضحاً أوصافها بالرسوم، ووصف المناشير العظمية والمبعدات العظمية بأنواعها، كما وصف بعض الأدوات الخاصة والمصنوعة من خشب تستخدم كثيراً من أجل ردِّ الكسور العظمية.
وقد شرح الزهراويُ في كثيرٍ من الأحيان منفعةَ الآلات، التي صوَّر أشكالها وبيَّن المادة التي تستعمل في صنعها وطريقة استخدامها، واكتفى في بعض الأحيان بذكر اسم الآلة التي يتعيَّن الاستعانةُ بها دون أية تفاصيل أخرى.
كان لمساهماتِه الطبِّية – سواء في التقنيات الطبية المستخدمة، أو الأجهزة التي صنعها – تأثيرُها الكبير في الشرق والغرب، حتى إن بعض اختراعاته لا تزال مستخدمةً إلى اليوم
العلاج بالكي
تخصَّص الزهراوي في علاج الأمراض بالكي،حيث استخدم الكي عادة لعلاج أورام الجلد أو الخراجات المفتوحة؛ فقام بتطبيق أسلوب الكي في حوالي خمسين عملية مختلفة.
عارض الزهراويُّ في كتابِه رأيَ القدماء في قولهم بأن الكي لا يصلح إلا في فصل الربيع، وقال بأنه صالح طوال العام.وعارض أيضاً رأيَهم بأن الذَّهَب الأفضل للكي؛ حيث قال بأنه يفضَّل استخدام الحديد، كونه أنجح من الذهب في تلك الممارسة.
وفي حديثه عن كيِّ ذات الجنب، ذكر الزهراويُ خطأ القدماء في الكي بالحديد المحمَّى حتى الاحمرار للوصول إلى الخرَّاجِ وانتزاعه، قائلاً بأن ذلك خطير، وقد يؤدي للوفاة، أو أن الخراج قد يعود للظهور في نفس المكان.
العمليات الجراحية
يعتبر الزهراوي أول مَن عالج الثآليل باستخدام أنبوب حديدي ومادة كاوية، وهو أول مَن استخدم خطافات مزدوجة في العمليات الجراحية، وأول مَن توصَّل إلى طريقة ناجحة لوقف النزيف بربط الشرايين الكبيرة قبل “باري” بستمائة عام.
وقد وصف الزهراويُّ الحقنةَ العادية والحقنة الشرجية وملاعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم، ومقصلة اللوزتين، والجفت وكلاليب خلع الأسنان، ومناشير العظام والمكاوي والمشارط على اختلاف أنواعها. الزهراوي أيضاً أول مَن وصف عملية القسطرة، وصاحبُ فكرتِها والمبتكِر لأدواتها، وهو الذي أجرى عملياتٍ صعبةً في شق القصبة الهوائية، وكان الأطباء قبله – مثل ابن سينا والرازي – قد أحجموا عن إجرائها لخطورتها.
وابتكر الزهراوي أيضاً آلة دقيقة جدّاً لمعالجة انسدادِ فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة، لتسهيل مرور البول، كما نجح في إزالة الدم من تجويف الصدر، ومن الجروح الغائرة كلها بشكل عام.
وهو أول مَن وصف الحَمْل المنتبذ عام 963م. والتاريخ يقول أيضا ان الزهراوي هو أول مَن صنع خيوطاً لخياطة الجِراح، واستخدَمها في جراحةِ الأمعاء خاصة، وصنعها من أمعاء الحيوانات، وأول مَن مارس التخييط الداخلي بإبرتين وبخيطٍ واحد مُثبَّت فيهما.
جراحة الفك
رسم الزهراوي عدداً من الأدوات المستخدمة في مجال طب الأسنان، بالإضافة إلى الوصف التفصيلي للعديد من عمليات الأسنان الهامة؛ كما أنه قام بتطوير تقنية تعويض الأسنان التالفة بأخرى اصطناعية. وله إضافات مهمة جدًّا في علم طب الأسنان وجراحة الفكَّيْنِ، وكتب في تشوهات الفم وسقف الحلق، وقد أفرد لهذا الاختصاص فصلاً خاصًّا به، شرح فيه كيفية قلع الأسنان بلطف، وأسباب كسور الفك أثناء القلع، وطرق استخراج جذور الأضراس، وطرق تنظيف الأسنان، وعلاج كسور الفكين، والأضراس النابتة في غير مكانها، وبرع في تقويم الأسنان.
وقد قام الزهراوي بتطوير التقنيات المستخدمة لاستخراج الحصى من المثانة بشكل ملحوظ؛ حيث استخدم حقنة معدنية ومنظاراً بدلاً من أداة تشبه ملعقة صغيرة تحيط بالحصى لإزالتها. كما أنه كان أول من استخدم الملقط في ولادة الأطفال، والذي كان سبباً في انخفاض معدل وفيات الرضع والأمهات إلى حدٍّ كبير في ذلك الوقت.
الولادة النسائية
وصف الزهراوي وضعية فالشر للولادة، إضافةً إلى وصف طرق التوليد وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة، والحمل خارج الرحم، وطرق علاج الإجهاض، وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وآلات لاستئصال أورام الأنف وهي كالسنارة، وآلات لاستخراج حصاة المثانة بالشق والتفتيت عن طريق المهبل، وأول من بحث في التهاب المفاصل والسل في فقرات الظهر، قبل برسيفال بوت بسبعمائة عام، وأشار إلى استخدام النساء في التمريض، وهو أول من استعمل القطن لإيقاف النزيف. كما صنع الزهراوي أول أشكال اللاصق الطبي الذي لا زال يستخدم في المستشفيات إلى الآن.