اجتماعية مقالات الكتاب

في صحبة الحديث مع الغرباء

منذ عامين مررت بمشكلة أُرغمت فيها على زيارة العيادات النفسية، ورغم أنهم أجمعوا أني لست بحاجة للجلسات النفسية والأدوية، إلا أنه لم يكن هناك من يفهم رغبتي الشديدة في التحدث فقط، كان ذلك كل ما اطلبه في ذلك الوقت، حتى وفقني الله لطبيبة ركنت معطف الطب النفسي جانباً وتحدثت معي كصديقة، خرجت بحال يختلف كلياً عن الذي دخلت به إليها، حينها قررت اختيار اسم من قائمة هاتفي لم يكن بيننا الكثير من الكلام والاتصالات وقررت التحدث، نعم وجدت من يسمعني ويتفاعل معي لأفهم نفسي أولاً، وأحدد الحلول والبدائل لتجاوز ما أمربه في تلك الفترة، وحدث ذلك.. اختفى شعوري السيئ تجاه المشكلة والمتسبب بها في أسبوع واحد فقط.

حينها أدركت أن حاجة التحدث مع غريب لمدة قد لا تزيد عن الساعة تساهم في شعورنا بالسعادة، وهذا ما جعلني استقطع جزءاً من يومي للاستماع إلى الآخرين خصوصاً أني ألتقي بالعديد منهم في مجال عملي، فالأغلبية يريد التحدث وتبادل القصص، وخصوصاً أن الدراسات أقرت بفاعلية هذا الأمر وبأنه يجعلنا أكثر إيجابية وبشعور الارتباط بالمجتمع والرضا عن أنفسنا في نهاية كل حديث مع غريب نلتقي به، فنحن نقع يومياً تحت الكثير من ضغوطات الحياة والمشكلات، وحين التحدث مع غريب ننساها ضمن الضحك وتبادل الحكايات، وفي بعض الأوقات نجد مواساتنا ضمن الكلام الذي نكون بحاجة لسماعة من ذلك الغريب. فلا أحد يمكنه أن يبقى صامتاً طيلة الوقت، لاأحد يفضل أن يكون وحيداً في كل مكان يذهب إليه دون يجد أحداً يتحدث معه ليقطع وقت الانتظار، وإلا تطور لشعوره بالوحدة وفقدان ثقته بنفسه كلما فكر في التحدث مع أحد.

ليس ذلك فحسب، بل إن الحديث مع شخص نلتقي به في مكان ما يجعلنا ذلك أكثر انفتاحاً على ثقافات مختلفة نتعرف عليها، خصوصاً في السفر أو المحافل التي تضم أنواع تلك الثقافات، بالإضافة إلى أنها تعزز مهارة التحدث واكتساب مفردات جديدة نضمها إلى قاموس حياتنا اليومية والعملية.

ولهذا أحب المدن التي أصبحت مقر سكن للعديد من الجنسيات العالمية فيها، أشبهها بالأم الحنون التي يتساوى في قلبها محبة الصغار، لأن كل الذين سكنوها في الماضي غرباء اعتادوا أن يتحدثوا مع بعضهم بكل ود، وأورثوا هذا لأجيال بعدهم تناقلوا هذه الصفة فيما بينهم حتى اليوم، أجدها مدناً بسكان لا أصنف نفسي غريبة عن أحد كلما تحدثت معه حتى وإن لم يكن مضى على تعارفنا سوى دقائق، فاخرج من ذلك الحديث بنفس مبتهجة وشعور سعيد لا ينقطع، ولهذا أسعد دائماً كلما وجدت غريباً يشاركني الحديث ولو لدقائق فقط.

i1_nuha@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *