أغيب وأعود للقراءة بصورة متفاوتة، إما لملل يعتريني أو انشغال دائم، لكني أعود إليها لو بقراءة سطر يهدئ من عادة العقل الذي لا يتوقف عن التفكير.
ما تفعله القراءة بنا لا يمكن الكتابة عنها بصورة ثابته، فكل قارئ له رأيه وأسبابه التي تجعله يمسك بهاتفه المحول أو حاسوبه الشخصي، ويكتب عنها بالكيفية التي يرى أنها تناسبه، وهنا لن اتحدث عن الجانب العلمي أو الفائدة التي نكتسبها منها، إنما سأتحدث عما تفعله بجانبنا النفسي والروحي.
نعم ما تفعله هذه العادة أكثر مما يكفي كتابة مقال عنها، حين نمسك بكتاب أو نسمعه كهيئة بودكاست صوتي فنحن هنا نلجأ لأكثر صديق يمكن أن نسبر عالمنا الداخلي بعيداً عن المحيط الواقعي في الخارج بدًأ من العائلة مروراً بالوظيفة والأشخاص الذين نصادفهم كل يوم والاحداث التي تقع وتشعرنا بالانزعاج أو الحزن، فإن مرافقة كتاب في غرفة هادئة وضوء خافت يمكنها أن تقوم مقام المرشد أو الطبيب النفسي في بعض الأحيان، وهذا ما حدث معي حين قرأت كتاب “الانسان والبحث عن معنى” الذي قرأت ثلاث مرات متتالية للكاتب والطبيب النفسي فيكتور إميل فرانكل، بعدها عرفت كيف يمكنني توجيه حياتي بالصورة التي أريدها واليوم أقول أنه حدث ما خططت له بعد قراتي للكتاب.
للقراءة وسائلها في الارتقاء بالجانب العقلي والأخلاقي وكذلك النفسي، فنحن لا نفكر كالجمادات أو نشعر مثلها لذلك نرى أن المجتمع القارئ يناقش بعضه بأسلوب ينم عن رقي المتحدث واحترام رأي الاخر دون قولبة ذلك الرأي بقالب العادات والتقاليد المتناقلة عبر الاجيال ولو لم يكن مقتنعاً به، بل لا يفسر الكلمات بصورة سيئة تُسيء إليه بصورة تقلل منه، لأن تهذيب القراءة تقوم فيه مقام الاخلاق الحميدة.
وليس بالضرورة أن تكون القراءة للكتب فقط، فيمكن لقصيدة أو اقتباس نصادفه ويأتي في الوقت الذي نكون بحاجة إليه أن يعطينا الكثير من الأمل في حالة اليأس أو القوة حين الضعف، ففي القراءة مهرب صحي من كل شيء، من ضوضاء الحياة، ومعاركها وقد ذكرت الكاتبة سيردوين دوفي في مقال بترجمة الكاتب الدكتور عبدالله الزماي عن دور القراءة في شعورها بالسعادة قائلة: “… ومن حسن حظي أنني أصبحت قادرة على أن اقاوم حالة الحزن الشديدة، فإن عدداً من الومضات التي التمستها في هذه الكتب قد ساعدتني على تحمل ذلك”، وأنا على يقين أن القارئ لهذا المقال سيحدث نفسه قائلاً: صحيح فإن الكلمة الأولى التي نزلت على رسول الله هي “اقرأ” فإن العلم والحكمة ملازمة للقراءة وهما صفتان حميدتان يسعى المرء أن يتصف بهما.
نعم.. نحن بحاجة للقراءة لأنها تساعدنا بطريقتها الخاصة على مواجهة الأيام التي لا مفر منها، بكتاب أو شطر قصيدة أو كلمة.
i1_nuha@