د. منال بنت عواد المريطب
إن المتأمل لتاريخنا الوطني والمتتبع لقصة بنائه ليجد نفسه يرفل في صفحات قصص البطولة وملاحم الصمود، ملاحم يفخر بها الوطن ويعتز بها المواطن، ومن هذه المآثر الوطنية ملحمة تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بن مقرن في ٢٢ فبراير عام ١١٣٩ه/١٧٢٧م، من هنا كانت بداية المجد فبتولي الامام محمد بن سعود بدأت قصة الوطن.
ولنحكي صفحات من تلك الرواية، تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في ظروف استثنائية وبعد اضطرابات عميقة عصفت بالمنطقة، إذ عانت الدرعية من أزمات داخلية وقاست ويلات الضعف والانقسام لأسباب متعددة منها النزاع الداخلي على إمارة الدرعية بين الأمير مقرن بن محمد والأمير زيد بن مرخان فناصر الامام محمد صاحب الحق وردع الظالم ورد الحق لنصابه، كما قاسى الأهالي آنذاك من انتشار وباء الطاعون الذي فتك بأرواح الكثير، وزاد من تردي اوضاعهم الاقتصادية، علاوة على تهديد الاعداء المجاورين، وفي ظل كل هذه التحديات برز الإمام محمد بن سعود واستطاع أن يوّحد الدرعية، ويتجاوز تلك العقبات.
تعلم الإمام محمد بن سعود السياسة مبكراً وجمع بين الحكمة والحنكة، والطموح والصمود، كان كما يصفه المؤرخ ابن غنام (بحسن السيرة معروفا، وبالوفاء وحسن المعاملة موصوفا، مشهورا بذلك دون من هنالك)، وقال عنه كذلك حسن الريكي (كان الإمام محمد بن سعود كثير الخيرات والعبادة كريم الطبيعة، ميسر الرزق) ولاشك أن صفاته الإدارية والإنسانية ساهمت في التفاف الناس حوله فوجدوا فيه القائد والقدوة وحظي بإعجاب خصومه قبل اصدقائه.
سجلت لنا الاحداث أن الامام محمد بن سعود كان وفياً لجيرانه، حريصا على أمنهم واستقرارهم يمد لهم يد النجدة وقت الحاجة، ومن شواهد ذلك ما حدث في نصرته لأمير الرياض دهام بن دواس عام ١١٥١هـ/ ١٧٣٨م عندما ثار عليه بعض المعارضين له، فارسل له الإمام محمد نجدة ساعدته على تولي الحكم.
الجدير بالذكر أن الامام محمد ين سعود وضع مشروع وحدوي مستقبلي للمنطقة، فقد كان يدرس أوضاع الامارات المجاورة، ويتابع مجريات الاحداث وكان برؤيته المستقبلية يخطط للخروج عن النمط السائد للحكم ويسعى للانتقال بالمنطقة إلى وحدة إقليمية مركزية تجمع شتات اماراتها وقبائلها، وتوحد بينها في منظومة وطنية شاملة واسعة، منظومة تعتمد على أسس معينة تتمثل في الوحدة والتعليم والامن والعدالة وتكاتف افراد المجتمع في لحمة وطنية واحدة تسع الجميع.
استمر حكم الإمام محمد بن سعود مايقارب من أربعين عاماً قضاها في الوحدة والبناء، ازدهرت الدرعية في عهده لتصبح عاصمة دولة كبرى شاسعة الارجاء، وبعد وفاته رحمه عام ١١٧٩ه/١٧٦٥م اكمل مشروع الوحدة والبناء ابنائه واحفاده، ووضعوا ركائز ثابته لننعم بوطن يزدان عزة واستقرارا يوما بعد يوم.
إن استحضار يوم التأسيس واستذكار سيرة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى هو في واقع الامر استحضار تاريخي للعمق المجيد لبلادنا، واستدعاء الذاكرة التاريخية بمثل هذه المناسبات والاحتفاء بها يزيد من الانتماء والولاء لهذا الوطن الشامخ.
**أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الملك عبدالعزيز
الحاصلة على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث الجزيرة العربية.