لا يختلف اثنان على أننا نعيش في عصر مليء بالتلوث السمعي والبصري، والذي بالضرورة ينعكس على أمزجة البشر والمجتمعات سلباً، هذا التلوث المزعج ناتج عن كل ما نسمعه من ضوضاء، ونشاهده من صور بشعة في شكل بعض المباني وأرصفة الشوارع المكسرة وازدحام الطرقات وأبواق السيارات وتلوث حاويات النفايات، وأصوات محركات السيارات والطائرات وإزعاج البيئة المحيطة من معدات البناء وأجهزة الحفريات.
حتى التقنية لم تسلم من بث الإزعاج والهموم للبشر وما تصدره وسائط التواصل الاجتماعي من إشاعات وأخبار مزعجة ومحزنة، والكثير الذي لا تتسع له مساحة هذا المقال على رصدها.
وأستطيع القول جازما أن البشر في سباق مع أنفسهم لإنتاج الإزعاج السمعي والتلوث البصري في الاتجاهات جميعها، حتى أساليب وطرائق تسليتنا ونحن نرسل الموسيقى الصاخبة في النوادي والمطاعم والملاهي والحدائق العامة والمحلات التجارية، وهذا ينسحب أيضا على اللوحات الإعلانية التي تشوه المدن، وتعيق رؤية السائقين الناتج عن ضوء شاشات عملاقة معلقة في منتصف الطرقات، والغريب الكثير من المستشفيات لم تسلم من هذا العبث بسبب صخب الزيارات المفتوحة للمرضى الخ.
وتجدر الإشارة إلى دراسة لمنظمة الصحة العالمية، أن التلوث بأنواعه السمعي والبصري والبيئي خطر داهم على الصحة العامة للبشر، وتصيب الإنسان بالأمراض العقلية والنفسية والعضوية، وتجعله يفقد سمعه، أو يصاب بحالة من الهياج أو الاكتئاب أو الانطواء الانفرادي.
وتشير دراسات استشراف المستقبل إلى أن رواد صناعة التقنية، أدركوا هذه الحقائق، واغتنموها فرصة إبداع وابتكار لإنتاج أجهزة ومعدات عازلة للضوضاء أو صامتة مثل سماعات الأذن الشخصية التي تعزل الضوضاء الخارجية ومواد البناء العازلة لامتصاص الأصوات وغيرها الكثير.
وأخيرا، كلما تقدمت التقنية وتطورت، زادت الحاجة إلى العزلة والخصوصية والهدوء والابتعاد عن التلوث بكل أنواعه، وهذا يتطلب أن نغطي رؤوسنا بشكل دائم بأقنعة زجاجية محكمة تحمينا من التلوث الداهم على صحتنا، حتى لو اضطررنا إلى العيش في الفضاء الخارجي حيث الهدوء والسلام.