البلاد – (خاص)
تصادف هذه الأوقات اليوم العالمي للصرع، المقرر في الاثنين الثاني من شهر فبراير من كل عام، حيث يخصص لنشر وتعزيز الوعي بالصرع عالمياً؛ بمناقشة أبحاث ودراسات حول المرض ومستجدات وطرق علاجه والوقاية أو الحد من انتشاره وأبرز المشكلات التي يواجهها الأشخاص المصابون بالصرع وعائلاتهم والقائمون على رعايتهم، وأوجه الدعم والمساندة المتخصصة بصفة خاصة، والمجتمعية بصفة عامة لهذه الفئات(المصابون وعائلاتهم والفريق الطبي)، وبهذه المناسبة تتناول “البلاد” بعض المعلومات حول تعريف الصرع وأعراضه وتشخيصه ومعدلات الإصابة به وأسبابه والعلاج والوقاية منه والآثار الاجتماعية والاقتصادية للمرض وأهمية التوعية المجتمعية.
الصرع هو اضطراب مزمن يصيب الدماغ، ويظهر في حركات لاإرادية متفاوتة في حدتها، بحسب شدة المرض والعوامل المسببة له.
يظهر مرض الصرع بشكل عام في مرحلة الطفولة أو لدى البالغين فوق 65 عاماً، ومع هذا قد يظهر في أية مرحلة عمرية لدى الجنسين في مختلف الدول والشرائح الاجتماعية. والصرع المصاب به حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم حالياً، من أولى الحالات المرضية التي تعرف الإنسان عليها، إذ تشير إليها كتابات سُجلت في عام 4000 قبل الميلاد، وكان الصرع مصحوباً في الغالب بالقلق والتمييز والوصم الاجتماعي على مدى قرون، وهذه الأحوال مستمرة في العديد من البلدان حتى يومنا هذا، مما يؤثر على نوعية حياة المُصابين بهذا المرض وأسرهم ومحيطهم وحتى القائمين على شؤونهم.
الأعراض
تختلف حدة الأعراض بحسب الموضع الذي يبدأ فيه الاضطراب من الدماغ ومدى انتشاره، لذلك تصنف النوبات الصرعية لجزئية و عامة، طبقاً للصورة التي بدأ فيها النشاط غير المنتظم في الدماغ، فإذا ظهرت النوبة نتيجة لنشاط غير منتظم في جزء واحد فقط من الدماغ تكون هذه نوبة صَرْعية جزئية، أما النوبة التي يجري خلالها نشاط غير منتظم في كل أجزاء الدماغ فتسمى نوبة عامة، في بعض الحالات قد تبدأ النوبة في جزء ما من الدماغ ثم تنتقل بعدها إلى جميع أجزاء الدماغ، لذا، تختلف حدة الأعراض؛ بعض المصابين بالصرع يكتفون بالتحديق في الفضاء لمدة ما، بينما يعاني آخرون من اختلاجات وتشنجات، وآخرون تنتابهم (نوبات صرعية) أكثر حدة، قد تتسبب في إيذاء بالغ للنفس أو الغير.
وكما تتفاوت النوبات في شدتها ومدتها، تختلف أيضاً في مدى تواترها، الذي قد يتراوح بين مرة واحدة في السنة إلى عدة مرات في اليوم.
أشخاص كثيرون مثل الأطفال الذين يعانون من الحمّى قد يعانون من نوبة صرعية لمرة واحدة، أما إذا تكررت الحالة وأصيب شخص ما بنوبتين صرعيّتين فإن احتمال التعرض لنوبة أخرى ثالثة يرتفع بصورة جدية جداً؛ فلا يعني حدوث نوبة واحدة أن الشخص مُصاب بالصرع (يُصاب 10 % من الناس حول العالم بنوبة واحدة خلال حياتهم)، ويُعرّف الصرع بأنه التعرض لنوبتين غير مبررتين أو أكثر.
وبالإضافة لفقدان الإدراك أو الوعي واضطرابات الحركة والإحساس، بما في ذلك الرؤية والسمع والتذوق والحالة المزاجية وغيرها من الوظائف الإدراكية، يُعاني المُصابون بالصرع غالباً من كسور أو كدمات ناتجة عن إصابات في نوبات الصرع، كما تزداد معدلات الاعتلالات النفسية مثل العزلة والقلق والاكتئاب، لكل ذلك تكون مخاطر الوفاة المبكرة بين المُصابين بالصرع ثلاثة أضعاف معدلها بين عامة السكان، وتوجد أعلى معدلات الوفيات المبكرة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وفي المناطق النائية والريفية أكثر من الحضر والمدن الكبيرة.
التشخيص
يحتاج معالج الصرع إلى وصف مفصل عن النوبات؛ ونظراً لأن معظم الذين يعانون من مرض الصرع لا يتذكرون ما حدث لهم وقت النوبة، فقد يطلب الطبيب التحدث إلى شخص آخر كان برفقة المريض وقت حدوث النوبة وكان شاهداً على الأعراض والعلامات.
قد يتطلب التشخيص الدقيق إجراء بعض الفحوصات العصبية، مثل: توتر العضلات، متانة العضلات، الأداء الوظيفي للحواس، شكل المشي، درجة الثبات، التناسق الحركي والتوازن.
كما قد يتطلب بعض فحوصات الدم بغاية تشخيص مشكلات مختلفة، مثل: الالتهابات، التسمم بالرصاص، فقر الدم، السكري وجميعها قد تكون عوامل مسببة للنوبات الصرعية. وكذلك بعض الفحوصات بغية تشخيص اختلالات في عمل الدماغ، مثل مُخَطـط كَهرَبِيةِ الدِّماغ ، تَصوير مَقْطَعِي مُحَوسَب، تّصوير بالرنينِ المِغناطيسِي، التَصوير المَقطَعِي بإِصدارِ البوزيترون، التصوير بأشعة جاما.
معدلات الإصابة
نحو 50 مليون شخص حول العالم يتعايشون مع الصرع، الذي ترتبط به ما يقدر بنحو 125 ألف حالة وفاة كل عام، وتتراوح نسبة عموم السكان المصابين بالصرع النشيط (أي استمرار النوبات أو الحاجة إلى العلاج) ما بين 4 و10 أشخاص لكل 1000 نسمة، ومع ذلك فإن بعض الدراسات التي أُجريت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تشير إلى أن النسبة أعلى من ذلك بكثير، حيث تتراوح بين 7 و14 شخصاً لكل 1000 نسمة.
وعلى الصعيد العالمي، تشخص إصابة نحو 2.4 مليون شخص بالصرع سنوياً، وفي البلدان المرتفعة الدخل، تبلغ حالات الإصابة السنوية الجديدة بين 30 و50 حالة لكل 000 100 نسمة بين عموم السكان، أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فقد يزيد هذا العدد ليبلغ الضعف.
ويرجع ذلك في الغالب إلى زيادة مخاطر الأمراض المتوطنة مثل الملاريا وداء الكيسات المذنبة العصبي، وارتفاع معدلات الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، والإصابات المرتبطة بالولادة، والتفاوتات في البنى التحتية الطبية، وتوافر البرامج الصحية الوقائية وإتاحة الرعاية الصحية.
لكل ما سبق؛ يعيش نحو80 % من المُصابين بالصرع في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
الأسباب
سبب الصرع لا يزال مجهولاً في حوالي 50 % من الحالات على مستوى العالم، وأسباب الصرع المعلومة قد تعود إلى عدة عوامل بنيوية ووراثية ومعدية واستقلابية ومناعية، ومن أمثلة ذلك:
أضرار الدماغ في مرحلة قبل الولادة أو في الفترة المحيطة بالولادة (مثل نقص الأوكسجين أو الرضخ أثناء الولادة أو انخفاض الوزن عند الميلاد).
حدوث تشنجات وارتعاشات متواصلة خلال مرحلة الطفولة جراء ارتفاع الحرارة والحمّى.
العيوب الخلقية أو الاعتلالات الوراثية المصحوبة بتشوهات الدماغ.
العلاج
بفضل العلاجات التي تتطور مع التقدم العلمي، يمكن السيطرة على النوبات، ويمكن أن تتخلص منها نسبة تصل إلى 70 % من المُصابين بالصرع نتيجة الاستعمال المناسب للأدوية المضادة للنوبات.
ويمكن النظر في التوقف عن تناول الأدوية المضادة للنوبات بعد مرور عامين دون التعرض لنوبات، وبعد مراعاة العوامل السريرية والاجتماعية والشخصية ذات الصلة.
وتظهر مرة أخرى المقارنة بين الدول منخفضة ومرتفعة الدخل؛ ففي الدول الأولى قد لا يحصل ثلاثة أرباع المُصابين بالصرع على العلاج الذي يلزمهم، وهو ما يُسمّى بـ “الفجوة العلاجية”.
ويمكن تلافي هذه “الفجوة العلاجية” إلى حد كبير بتدريب مقدمي الرعاية الصحّية الأولية على تشخيص الصرع وعلاجه، خاصة أن ذلك لا يحتاج إلى استخدام معدات معقدة. في حال لم يجد علاج الصرع بالأدوية لتثبيط النوبات نفعاً أو لم تحقق نتائج مرضية، قد يُوصى بطرق علاجية أخرى مثل: المعالجة الجراحية، أو المعالجة الإشعاعية، أو الحمية الغنية بالدهون.
يُنصح بتلقي علاج الصرع الجراحي غالباً حينما تدل الفحوصات على أن مصدر النوبات يتركز في منطقة صغيرة ومحددة من منطقة الفصوص الصدغية (Temporal lobes) في الدماغ، ويوصى علاج الصرع الجراحي في حالات نادرة إذا كان مصدر النوبات متوزعاً في عدة مناطق مختلفة من الدماغ أو إذا كان مصدر النوبات في منطقة من الدماغ تحتوي على أجزاء وظيفية حيوية.
الوقاية
تكون الوقاية من الصرع بتجنب أسبابه، مما قد يقي من نحو 25 % من حالات الصرع، مثل:
الوقاية من إصابات الرأس.
الرعاية الكافية في الفترة المحيطة بالولادة، قد تحد من حالات الصرع الناتجة عن إصابات الولادة.
استخدام الأدوية والأساليب الأخرى لخفض حرارة جسم الأطفال المُصابين بالحمى، تحد من احتمالات التعرض لنوبات حموية.
الوقاية من حالات ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة وتجنب الإفراط في تعاطي التبغ والكحول، يحد من أمراض القلب والأوعية الدموية؛ ما يقي من السكتة الدماغية، وبالتالي الوقاية من حالات الصرع الناجمة عنها.
تُعد حالات عدوى الجهاز العصبي المركزي من أسباب الصرع الشائعة في المناطق المدارية التي تتركّز فيها العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
قد يكون التخلص من الطفيليات في هذه البيئات والتوعية بشأن كيفية تلافي العدوى من الطرق الفعالة للحد من حالات الصرع في العالم.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية
للصرع آثار اقتصادية كبيرة واجتماعية أكبر، ويختلف التأثير الاقتصادي للصرع اختلافاً كبيراً تبعاً لمدة الحالة وشدتها، والاستجابة للعلاج، وبيئة الرعاية الصحية، وتتحمل الأسر أعباء ثقيلة بسبب التكاليف التي تتكبدها في العلاج، وأيضاً لمعاناة مرضى الصرع من التعطل عن العمل أو عدم الاستمرار فيه، سواءً لظروف المرض أو تداعياته النفسية، التي قد تدفع إلى العزلة أو الاكتئاب أو الشعور بالخوف والقلق الدائم، أو لإحجام أصحاب الأعمال عن توظيف مرضى الصرع. ورغم أن الآثار الاجتماعية تختلف من بلد إلى آخر، فإن التغلب على الوصم والتمييز المرتبطين بالصرع في أنحاء العالم أجمع، غالباً ما يكون أصعب من النوبات نفسها، فقد يُستهدف المُصابون بالصرع بالتمييز، وقد يسفر الوصم المرتبط بالمرض عن تثبيط عزيمة المرضى عن السعي إلى الحصول على علاج تجنّباً لكشف إصابتهم به، فضلاً عن الاعتلالات النفسية التي تصيبهم وقد تتطور إلى أمراض مدمرة.
التوعية المجتمعية
في المجتمعات المختلفة، وبدرجات متقاربة، لا يزال يُنظر لمرضى الصرع – وربما أسرهم ومن يتعاملون معهم- نظرة تمييز ووصم اجتماعي قد تصل الى حد الرفض، وغالباً ما يواجهون عوائق تحرمهم من التعليم والتوظيف ويتم منعهم فعلياً من المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والمجتمعية، إلا أن تطور الوعي الاجتماعي والفهم المتزايد لهذا الداء خفف من حدة ذلك إلى حد ما، ففي بريطانيا مثلاً، كان هناك قانون يمنع زواج المصابين بالصرع وظل سارياً حتى جرى إلغاؤه عام 1970م، وفي بلدان أخرى يعتبر الصرع من موانع الزواج وكذلك إبطال الزواج.
إذا كان الوصم الاجتماعي يعني عارٍ أو عيب يلحق بفرد أو مجموعة، فليس مقبولاً وصم مريض الصرع؛ لأن المرء لا يجوز احتقاره بسبب علة قُدِّر له أن يقاسيها.
في اليوم العالمي للصرع، وفي باقي الأيام، تبدو الحاجة ملحة إلى منع التمييز وانتهاك حقوق مرضى الصرع، وتحسين إتاحة خدمات الرعاية الصحية وتحسين نوعية حياة المُصابين بالصرع، وأيضاً تدريب القائمين على رعايتهم، سواءً من أفراد الأسرة أو الطاقم الطبي؛ بما يرفع العبء عن المرضى والأسر، ويضمن جودة الرعاية والخدمات، وتبقى التوعية المجتمعية أهم السبل لتصحيح ما تبقى من نظرة “تنمرية أو متوجسة” لدى البعض تجاه مصابي الصرع؛ الذين هم بالأساس ضحايا لمرض ليس لهم ذنب فيه، تماماً كغالبية المصابين بالأمراض الأخرى المزمنة.