كان تعاقد نادي النصر السعودي مع اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو مفاجأة مدوّية لجماهير رياضية عريضة في المملكة؛ لكنه كان بمثابة صدمة كبيرة لبعض المراهقين الذين كانوا يتابعون باهتمام كريستيانو رونالدو كلاعبهم المفضّل عندما كان يلعب في مانشستر يونايتد وريال مدريد، وينتمون كجماهير رياضية لأندية أخرى منافسة للنصر مثل الاتحاد والهلال والأهلي والاتفاق وغيرها من الأندية. المشكلة المحيّرة التي لخبطت أفكارهم هي كيفية الجمع بين تشجيع لاعبهم المفضّل كريستيانو رونالدو وتشجيع نادي النصر الذي ينافس أنديتهم المحلية التي نشأوا منذ نعومة أظفارهم على تشجيعها.
المشكلة محيّرة بالفعل لفكر هؤلاء المراهقين خاصة وأن رونالدو لن يمكث إلا لفترة قصيرة في المملكة استناداً إلى عمره الافتراضي كلاعب كرة قدم شارف على الأربعين من العمر. هذه المعضلة الفكرية جاءت بسبب ما يسمّيه الفيلسوف العالمي عبد الوهاب المسيري “الخريطة الإدراكية”.
الخريطة الإدراكية هي ذلك المخطط الذهني أو الصورة التي يقوم فيها الفرد بترتيب الآراء والمواقف والخبرات المتراكمة التي يمر بها، فيعمد إلى التركيز على بعضها، ويهمّش البعض الآخر لتتشكّل مع مرور السنين، وتتحوّل إلى رؤية يتعامل فيها مع الآخر دون وعي منه على أنها الواقع الذي يجب أن يكون. لذا ليس من السهل أبداً، على سبيل المثال لا الحصر، أن يغيّر الإنسان مذهبه أو عقيدته في يوم وليلة مهما كان هذا المذهب خاطئاً، ومهما كانت هذه العقيدة ضالة لسبب بسيط وهو أن هذا الأمر يزلزل الخريطة الإدراكية لدى الفرد التي نشأ وترعرع عليها، وينام ويستيقظ على الألفة معها. بل إن أخطر ما يمكن أن يحدث للإنسان أن تتغيّر خريطته الإدراكية التي تعوّد على رؤية العالم بها خاصة عندما يكون الإنسان ضعيفاً، ولا يتمتع بقدرات فكرية نقدية راسخة تساعده على اتخاذ قرار أن الطريق الجديد هو عين الصواب.
هذه اللخبطة الفكرية التي وقع فيها بعض المراهقين متوقّعة خاصة وأن بعضهم قد بالغ في تشجيع بعض هؤلاء اللاعبين من خارج الوطن أمثال رونالدو وميسي ونيمار وغيرهم، في حين أن الواقع يقول إن هؤلاء ليسوا بأفضل من يوسف الثنيان، وماجد عبدالله على سبيل المثال، فقد رأينا ماذا فعلت منتخبات السعودية والمغرب في كأس العالم الأخيرة. من المهم أن يكون للإنسان خريطته الإدراكية التي لا تخضع لاختيار أو صياغة الآخرين، وأن يكون حذراً وناقداً في تبنّيه لبعض الأفكار والمواقف التي تأتي من ثقافة أجنبية غريبة.
شجّع فريقك بكل روح رياضية كما كنت تفعل دائماً قبل رونالدو وبعده.
khaledalawadh@