تتميز بلادنا السعودية بتراثها الأصيل الذي يمتد إلى قرون بعيدة، ويجسد حضارة تليدة ترتبط بتاريخها المجيد عبر الأزمان، يعكس ثقافة المجتمع، ويعبر عن موروثاته المادية وإرثه الروحي والفكري.
ومن الجميل تنوع أساليب العمارة القديمة الذي يميز كل منطقة عن الأخرى، ويشكل ثراءً واسعاً.. سواء في نمط البناء والخامات المستخدمة وكذلك الشكل الخارجي والتفاصيل الداخلية التي عُملت بعناية فائقة ومهارة عالية لتتلاءم مع الظروف المناخية والمكانية لكل منطقة.
حيث نجد المنازل التي بُنيت بالحجارة الصلدة في المناطق الجبلية بطريقة الرضم لتشكل مداميك عريضة تزيد في عرضها عن المتر بغرض مقاومة الرياح الشديدة وحماية ساكنيها من تسرب المياه إليها مع كثرة الأمطار مثل منطقة الباحة. والبناء كذلك بالحجر والطين كما هو في بعض مدن المنطقة الغربية. وفي مواقع أخرى يستخدم الطين فقط في عملية البناء، وخصوصاً في نجد والقصيم ونجران وغيرها. ولم تخل أغلب تلك المباني من الرسوم التجميلية داخلها وخارجها بأسلوب ذكي يراعي الظروف، ويشكل الحماية لتلك المباني، ويعكس المستوى الراقي الذي وصلوا إليه في العمارة والفنون الجميلة.
لدرجة أن بعض المنازل وكأنها تحف فنية بهندسة بنائها وروعة واجهاتها وجمال زخارفها وبراعة نقوشها ودهشة ألوانها. وكذلك البيوت التهامية العشاش جمع (عشة) المبنية من الجريد المشذّب من نبات الأثل والمض المعروف بصلابته واستقامته والمرخ والحشائش لتغطية الجريد. لتأخذ شكلاً مخروطياً يتناغم مع البيئة التهامية الساحلية، ويزيدها جمالاً ما تحتويه بداخلها من فنون تجميلية، وهذا جانب من التراث المادي الذي لا يقل عنه في الأهمية الجانب غير المادي أو ما يُطلق عليه اسم التراث الشعبي، كالفنون الشعبية والرقصات، واللهجات، والموسيقى، والأشعار، والأمثال الشائعة، والأهازيج، والأزجال والأغاني، والحكايات، والتقاليد والعادات وغيرها من الأشكال الثقافية، ومختلف الإبداعات وكذلك الطب الشعبي، والحِرف والتقليدية. وهنا يأتي ضرورة تسجيل وتوثيق هذا التراث العريق في كل مناطق وطننا والاهتمام به والمحافظة عليه وحمايته وصيانته ومنع التجاوز عليه. وتشكيل الجمعيات للعناية به وتعريف الأجيال بالماضي وتمكُّن الأجداد من الاكتفاء الذاتي في الكثير من الاحتياجات.
ومع هذا الثراء، فإنها من وجهة نظري تمثل كنوزاً يمكن توظيفها جيداً لخدمة السياحة بصورة واعية وجاذبة تحقق أحد المستهدفات الهامة.