إن القيم الوطنية الأخلاقية هي مجموعة من المبادئ المحددة لسلوكيات الأفراد والمجتمعات، وتنطوي على سلوكيات إيجابية شتى، تتمثل في حب الوطن والإخلاص له والذود عنه والمشاركة في عملية بنائه وغيرها، تعززها في ذلك القيم والأخلاق الدينية السمحة والكثير من العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية الإيجابية، فحيثما توفرت القيم الأخلاقية النبيلة سادت الحضارة والسلوك المتحضر.
إن الإسلام الدين العظيم يحثنا بقيمه ومبادئه على عمارة الأرض والسعي في الكسب المشروع، وأن اليد العليا خير من اليد السفلى، والإتقان في العمل وغيره, حيث لا يتسع المجال هنا لإيراد كل قيمه الإيجابية التي تحض على العمل. بيد أن هنالك قيماً سلبية تكون خصماً من مجهودات بناء المجتمعات والأمم، فهنالك القيم والعادات والأعراف المتصلة بالنظرة الدونية من بعض الشباب لبعض الحرف والمهن، بل واحتقارها وعزوف الشباب عن مثل هذه المهن التي يحتاجها المجتمع، كذلك السلوك الاستهلاكي المظهري من البعض القائم على حب الظهور والتقليد.
وهنالك السلوكيات الأخلاقية الخاطئة غير الحضارية التي منها الاستهتار في الطريق العام من قبل البعض، فإذا كانت الكاميرات في الطرق تضبط متجاوزي الإشارات والسرعات، فإنه حري كذلك بضبطها لبعض الذين يسيئون إلى الطريق العام، ويلقون فيه زجاجات المياه الغازية وبقايا الأطعمة والمناديل الورقية وأعقاب السجائر دون مسؤولية أو وازع، ويا ليتهم شاهدوا مشجعي المنتخب الياباني في مونديال العالم مؤخراً بقطر الذين كانوا ينظفون المدرجات عقب كل مباراة لفريقهم، ولا غرابة في ذلك فاليابانيون قامت تربيتهم على أسس من القيم الإيجابية الدافعة للعمل التي مكنت اليابان من بناء دولة عصرية مرتبطة بجذور قيمها ومستندة إلى تراثها ولغتها الأم، ولم تقم بهدم البنى التقليدية أو الانسلاخ عن قيمها الثقافية الخاصة، بل بلورت كل ذلك في إطار أخلاقي من القيم والمبادئ الدافعة للولاء والانتماء، لتنجح في صياغة أمة يابانية جديدة زاحمت حضارتها بمنكب من فولاذ الغرب بكل تطوره وتقدمه.
إن النفعية والانتهازية والتواكل وعدم إتقان العمل والأنانية والاستهتار وتقديم المصالح الشخصية الضيقة على مصلحة الوطن وعدم تقدير أهمية الوقت والعمل وغيرها، هي بلا شك قيم سلبية وسلوكيات أخلاقية خاطئة تخصم ولا تضيف شيئاً إلى عناصر بناء الأمم. وحيث إن مملكتنا تسير الآن على هدى رؤية 2030، فيقتضي ذلك أن يستصحب الجميع فلسفة التحدي والعزيمة والإخلاص والنزاهة والتفاني، وكل القيم الوطنية الإيجابية الأخرى الدافعة للعمل، والدور منوط في هذا السياق بمدارسنا وجامعاتنا في تجسيد مفاهيم القيم الوطنية النبيلة في نفوس النشء، بحيث يضحى الجميع قدوة في سلوكه، ومدركاً لدوره الوطني في بناء أمته، ورقيباً وحسيباً على ذاته دونما انتظار محاسبة أية جهة، حتى نصل بمسيرتنا القاصدة بمشيئة الله لبناء أمة سعودية قائدة ورائدة.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@