جدة ـ ياسر خليل
توقع عدد من الخبراء والاقتصاديين أن يساهم توطين الصناعات الغذائية السعودية في توفير ما يقارب من 70 مليار ريال سنوياً، محصلة ما تدفعه المملكة لاستيراد احتياجاتها وتحقيق أمنها الغذائي، وأكدوا أن موافقة مجلس الوزراء على تحويل المؤسسة العامة للحبوب إلى هيئة عامة للأمن الغذائي، سيساهم في التسريع بتوطين القطاع بنسبة تصل إلى 65 % خلال العامين المقبلين، وصولاً إلى أكثر من 85 % بحول عام 2030م.
وأجمعوا لــ”البلاد” على أن المتغيرات العالمية والأزمات التي تواجه المجتمع الدولي، تدفع المملكة إلى استخدام أحدث التقنيات من أجل تعزيز الصناعات الغذائية وخفض التكاليف وزيادة الإنتاج، والاهتمام بهذا القطاع الحيوي الذي يقف في مقدمة أوليات استراتيجية الصناعة السعودية.
وقال رجل الأعمال سيف الله محمد شربتلي أن قرار مجلس الوزراء الأخيرة بتحويل المؤسسة العامة للحبوب إلى هيئة عامة للأمن الغذائي، يجسد توجه الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين نحو تعزيز وتنظيم منظومة الأمن الغذائي، تنفيذاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030 واستراتيجية الأمن الغذائي، وستكون بمثابة نقطة تحول مهمة لدعم صناعة الأغذية في المملكة.
ولفت إلى ما ذكرته وزارة البيئة والمياه والزراعة في الشهور الماضية، عن وصول تكلفة واردات الصناعات الغذائية بالمملكة إلى 70 مليار ريال سنوياً، مما يتيح العديد من الفرص الريادية أمام رواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، خاصة مع الدعم الكبير الذي تقدمه الوزارة، وتستهدف من خلاله توطين نسبة 85 % من الصناعات الغذائية بحلول عام 2030م، مؤكداً أن الحلم يعد بعيد المنال، في ظل الاقتراب من توطين ما يزيد عن 65 % خلال العامين المقبلين، ومع الاعتماد بشكل كبير على وسائل التنقية لخفض التكلفة وزيادة الإنتاج.
وأشار إلى أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو رفع الإنتاج في كثير من السلع الغذائية المهمة، حيث تعمل على رفع إنتاجها من الأسماك بنسبة 500 %، ورفع صادراتها إلى 3 مليارات ريال، بالإضافة إلى رفع حجم صادرات التمور إلى 2.5 مليار ريال بحلول 2025م، حيث تتبنى وزارة البيئة والزراعة والمياه استراتيجية لتنمية الابتكار وريادة الأعمال في قطاعات الوزارة؛ لتعزيز التنافسية والاستدامة لقطاعات البيئة والمياه والزراعة في المملكة.
ودعا المستشار الاقتصادي والقانوني هاني محمد الجفري إلى تكثيف الإجراءات التي تتخذها الدولة ممثلة في وزارة البيئة والزراعة والمياه من أجل دعم الصناعات الغذائية التي تشكل العربة الأولى في قاطرة الصناعة السعودية، وقال: الصناعات الغذائية وإن ارتبطت في السابق بمناطق الوفرة الغذائية والدول التي لديها فائض من المنتجات، إلا أنها لم تعد كذلك حالياً، وأصبحت الدول التي تتوافر فيها أدوات وظروف التصنيع ووسائل دعم لوجستي هي المؤهلة لريادة هذه الصناعة.
وحث على استلهام التجربة اليابانية والسنغافورية، فهما دولتان رائدتان في التصنيع الغذائي، رغم أنهما لا تمتلكان موارد غذائية، بل يتم استيراد معظم مواد التصنيع وتصنيعها وإعادة تصديرها، كما نجد أن صناعة الشوكولاتة اشتهرت في سويسرا، رغم أن الكاكاو يستورد من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، كما اشتهرت إيطاليا بالقهوة في الوقت الذي لا قهوة تنتج في إيطاليا والأمثلة على ذلك كثيرة، بل أن هولندا تعد ثالث أكبر منتج زراعي بعد الصين والولايات المتحدة، رغم أن مساحة الأراضي الزراعية في أمريكا تفوق هولندا 272 مرة، ولكن الهولنديين اتجهوا للزراعة واستيراد المنتجات الزراعية من الدول الإفريقية، حيث يتم نقل منتجاتهم إلى هولندا للتصنيع والتعبئة؛ ومن ثم إعادة التصدير لبقية دول العالم، وهي تستورد الورد من السعودية للهدف نفسه، رغم أنها من أكبر منتجي الورد في العالم واقتصاد هولندا قائماً على الخدمات بنسبة 70 %.
وعن المميزات التي جعلت الصناعات الغذائية السعودية تتبوأ صدارة الصناعات محلياً، قال رجل الأعمال سعيد بن علي البسامي أن ما تملكه من موقع جغرافي وبنية تحتية رائعة، يؤهلها لتكون من الدول الرائدة في هذه الصناعة إِقْلِيمِيّاً وَعالَمِيّاً، في ظل وجود رؤية طموح تعتبر بمثابة خارطة طريق نحو التحول الكامل، وبعد تطبيق الاستراتيجية الصناعية التي تسعى إلى توطين كل الصناعات والتحول إلى دولة منتجة وليست مستهلكة، حيث يمكننا أن نستهدف التصدير للدول العربية والإسلامية والأوروبية بحكم الموقع الجغرافي ووقوعنا في المنتصف بين ثلاث قارات عالمية. وأشار أن صناعة الغذاء في المملكة تتوزع على 12 نشاطاً أساسياً، من أهمها صناعة الألبان ومنتجاتها، وتليها صناعة العصائر والمشروبات، ومصانع تعبئة الفواكه والخضروات وتغليفها، وحفظ السمك، وصناعة الزيوت النباتية والحيوانية والدهون، وقال إن وزارة البيئة والمياه والزراعة تعمل على توطين الصناعة لتوفير الفرص أمام رواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في هذا المجال، وسعيا لتنفيذ إستراتيجيتها الرامية إلى توطين الصناعات الغذائية عملت المملكة على عدة مسارات كان أبرزها دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الغذاء وتقديم التسهيلات لهم، وعقد الاتفاقيات مع الشركات والمؤسسات الدولية العاملة في القطاعات المتعلقة بالغذاء، مما ساهم في وضع ركيزة جديدة في مسار طويل لتحصين الأمن الغذائي في المملكة.
وأوضح الاقتصادي الدكتور عادل الصحفي أن المملكة تولي اهتماماً كبيراً لقطاع الصناعات الغذائية، لما له من أهمية في تعزيز الأمن الغذائي للمملكة، حيث شرعت في إطلاق العديد من المبادرات التي تشجع على الاستثمار في الصناعات الغذائية من أجل سد الفجوة وتقليل الاستيراد، بالإضافة إلى فتح الباب أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة لإطلاق مشروعاتها لدعم هذا القطاع. وتركزت استراتيجية المملكة حول الأمن الغذائي على الاستثمار في العديد من المجالات، ومنها المواد الغذائية، وأصبحت الألبان والعصائر والفواكه والزيوت النباتية والحبوب والسكر وأعلاف الحيوانات والطيور والكاكاو من أهم صادرات السعودية خلال السنوات الأخيرة. وأضاف: نجحت هذه الاستراتيجية في تحقيق قفزة في قطاع صناعة الأغذية، ليرتفع عدد المصانع الغذائية والمشروبات في المدن الصناعية بنسبة 200 %، ليصل إلى حوالي 1121 مصنعا في عام 2021م، مؤكداً أن مصانع المنتجات الغذائية في السعودية نسبته 11 في المائة من إجمالي عدد المصانع في المملكة، وتسهم في توفير أكثر من 82 ألف وظيفة.