متابعات

السياحة الزراعية.. ترفيه يحقق التنمية ويعزز الأصالة

جدة – البلاد

تعتبر السياحة الزراعية أحد أهم مظاهر جذب الزوار في عدد من مناطق المملكة، التي تزخر بمظاهر الحياة الريفية خاصة في الصيف، بينما تسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى تنمية سياحة متوازنة ومستدامة، تُحقق تنوعاً اقتصادياً وإثراءً اجتماعياً، ولإيجاد فرص للنماء والعمل، والحفاظ على البيئة والأصالة الثقافية، والاعتماد على المشاركة الفعالة بين القطاعين العام والخاص في سبيل تحقيقها.

ويتولى القطاع العام مع الجهات ذات العلاقة دور التحفيز والإرشاد التخطيطي، وتوفير البنية الأساسية اللازمة للتنمية السياحية والمعلومات والدراسات والبحوث، في حين يتولى القطاع الخاص الدور الرئيس في الاستثمار السياحي المباشر، وتنفيذ السياسات التنموية والتسويقية لصناعة السياحة، وذلك من خلال المحافظة على جودتها ونوعيتها وتنوعها، مع تدريب وتأهيل القوى العاملة الوطنية لتمثيل السياحة الوطنية خير تمثيل، وكل ذلك في إطار المحافظة على البيئة والأصالة التي تتميز بها المملكة ومنطقة مكة المكرمة.

وتهدف السياحة الزراعية بوجهها العام إلى تعزيز تنمية الفرد والمجتمع، وتمثل ركناً أساسياً في بلورة إستراتيجيات تنويع المنتجات السياحية في المملكة عموماً، حيث تعد السياحة الزراعية من أهم الوجهات التي يقصدها السائح في فترات متعددة طيلة العام، وهو الأمر الذي يعزز من دخلها أثناء الرحلة السياحية، كما تشكل السياحة الزراعية نمطاً ترفيهياً ونشاطاً تنفسياً يعزز من النمو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، حتى غدْت السياحة الزراعية عاملاً مهماً وقيمة مضافة في صناعة السياحة العالمية.

ويرى مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكة المكرمة المهندس سعيد بن جار الله الغامدي، أن السياحة الزراعية مشروع رائد يقدم فرص عمل للشباب والفتيات والأسر المنتجة، ويسعى إلى إيجاد بدائل مميزة لقطاع الإيواء السياحي والسفر والاستمتاع بالطبيعة، لافتا إلى أن العديد من المزارعين تمكنوا من تحويل منتجات مزارعهم المتمثلة في الورد، والفاكهة، والعسل، إلى الاستثمار في مشاريع زراعية سياحية وتهيئتها، عبر توفير خدمات ومتطلبات الزوار الأمر الذي كان له أثر إيجابي وناجح، حيث أصبحت مزارعهم وجهة سياحية رائعة.

اقتراب من الطبعية
وتقدم السياحة الزراعية للسائح تجربة الاقتراب من الطبيعة ضمن السياحة البيئية في المملكة، ومن تلك المناطق منطقة مكة المكرمة التي تتمتع بمساحات زراعية واسعة ومزارع خاصة، وتضم أشكالاً من النباتات التي ترتبط بالبيئة المحلية، وإن تلك المزارع مؤهلة لاستقبال السياح باعتبارها وجهة مناسبة لاستكشاف نوعية الزراعة والحصول على تجربة فريدة، حيث يتوافد العديد من الزوار والسياح إلى المناحل وحدائق النحل بمن فيهم الأطفال والسياح لاستكشاف عالم النحل، كما أن بعض منظمي الرحلات السياحية يُطلق زيارات للمناحل لمختلف الشرائح المجتمعية كجزءٍ من السياحة الريفية. وأصبحت بعض المزارع في منطقة مكة المكرمة تشهد تنافساً كبيراً فيما بينها في الجوانب التطويرية والتشغيلية، ما بين احتواء تلك المزارع على مجموعة كبيرة من البيوت المحمية بأحجام متفاوتة، وحقول زراعية مكشوفة تحوي عشرات الأصناف الزراعية المتنوعة وبكميات وفيرة على مدار العام؛ لتحقيق الجانب السياحي والترفيهي والتثقيفي، بما يضمن تقديم هذه المزارع لزوارها كوجهة سياحية جديدة في المنطقة، وإضافة إيراد مالي جديد، وتبني التوازن البيئي، والتنوع في المحاصيل والإنتاج، وهي أحد الأنماط السياحية التي تسمح للسائح بزيارة مزرعة قائمة للاستمتاع بعدد من الأنشطة المرتبطة بالنشاط الزراعي والحياة الريفية، وتطوير المزارع وتنويع مصادر دخلها لضمان استدامتها.

وتسعى هذه المزراع لتكون إحدى المبادرات السياحية الزراعية الريفية التي تُوظف لخدمة المجتمع؛ لإثراء التجربة السياحية المحلية وإيجاد عناصر للترفيه والمتعة والتعليم، وتمكين المزارعين من تطوير برامج ومنتجات وخدمات وأنشطة سياحية في مزارعهم، بالإضافة إلى محاولة استقطاب الزوار من داخل وخارج المنطقة، وكذلك زيادة البرامج السياحية والتنشيط السياحي خصوصاً مع إدراج المزارع في قوائم وجداول المكاتب السياحية ومنظمي الرحلات السياحية والمرشدين السياحيين، باعتبارها عوامل جذب سياحي مهمة، كما أن صندوق التنمية الزراعية يُسهم في التكاليف الاستثمارية والتشغيلية للمنشآت السياحية داخل المزارع المرخصة بتمويل مباشر من الصندوق بقروض طويلة الأجل.

عوائد استثمارية
وتراهن المملكة على مهرجان التمور في حائل، والسياحة الزراعية بالمدينة المنورة، وأثرها في التحول من الزراعة التقليدية لتحقيق عوائد استثمارية واقتصادية ترفع من مستوى مداخيل المزارع بالاستثمار الأمثل، حيث تحتل السعودية مكانة مهمة في زراعة النخيل وإنتاج التمور، وتعد من أهم الدول المنتجة للتمور، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاجه بنسبة 17% من مجمل الإنتاج العالمي.

وتتوفر بحائل أهم مزارع التمور ذات الجودة العالية كتمر “حلوة حائل” وغيرها من الأصناف التي تشتهر بها المنطقة، ويعد مركز القاعد الذي يقام به مهرجان التمور والأسرة من أجمل التضاريس السياحية بالمنطقة التي لديها بنية قوية للإنتاج الزراعي، حيث يتم حاليا العمل على إنهاء إجراءات استخراج التراخيص الزراعية السياحية لـ14 مزرعة في حائل، وفقا للمشرف العام على القطاع الشمالي والشمال الغربي بوزارة البيئة والمياه والزراعة سلمان بن جارالله الصوينع. وفي المدينة المنورة أصدرت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مؤخرا عبر برنامج السياحة الزراعية «أرياف» رخص تأهيل لممارسة نشاط السياحة الزراعية لعدد 6 مزارع بالمدينة المنورة، في خطوة وصفتها بأنها تهدف لتطوير المزارع وتنويع مصادر دخلها لضمان استدامتها، بالإضافة إلى خلق بيئة زراعية ريفية تجذب الأهالي والزوار من خلال البرامج والأنشطة السياحية في المزارع، وهو ما يساهم في تنمية الحركة السياحية وتوفير دخل إضافي وفرص وظيفية للمواطنين. ويقدم برنامج دعم السياحة الزراعية خدمة الإيواء الريفي التي تتميز بالمحافظة على البيئة النباتية والحيوانية ويكون تأثيرها أقل على البيئة الطبيعية خلال فترة الإنشاء وتسهم في رفع معدل السياحة وجذب السياح من الخارج، وقد بلغ عدد أشجار النخيل في منطقة المدينة المنورة ما يزيد على 4 ملايين نخلة بكمية إنتاج سنوي 189 ألف طن، وذلك حسب الإحصائية الأخيرة التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء.


توسع وتطوير
في منطقة عسير، ساهم نشاط الحركة السياحية الداخلية الكبيرة في تشجيع أبنائها على التوسع والتطوير في مشاريع سياحية فريدة ونوعية بأيدٍ سعودية بنسبة 100%، إذ يعمل أهالي المنطقة وفق المعطيات السياحية بما في ذلك القرى الأثرية والقلاع والمزارع الجبلية لتتحول إلى علامات تجارية، الأمر الذي أسهم في رفع نسبة الإشغال بشكل عزز حضور الاستثمار المحلي وتطوير منظومة العمل في مجال السياحة والفندقة وتعزيز حضور التراث القديم وفق برامج حديثة تتوافق مع متطلبات العصر.

وهناك العديد من مشاريع السياحة الزراعية التي تلقى دعما كبيرا، بهدف تسويق المنتجات الزراعية المحلية التي تعبر عن هوية المنطقة الزراعية وتميزها في هذا الجانب من آلاف السنين، إضافة إلى تعريف زوار المنطقة بأبرز ملامح الإنتاج الزراعي، ودعم المزارعين في جميع المجالات التسويقية وتقنيات تطوير الإنتاج، وتقديم الاستشارات الزراعية والنصائح الإرشادية للمزارعين والزوار، والتعرّف على المبادرات والقروض الزراعية والدعم المستمر الذي توليه حكومة المملكة، واشتهرت محافظة بيشة كذلك بمهرجان “الصفري” للتمور، الذي يستقطب الزوار من مناطق المملكة ودول الخليج العربية، ويعرض سنوياً أكثر من 60 ألف طن تمثل تمور “الصفري”.

وتراهن عسير والطائف على تجربة فتية وهي زراعة الورود لتنمية السياحة الزراعية حيث أصبحت زراعة الورد والنباتات العطرية في المنطقة عامل جذب سياحي مهما، في ظل وجود مزارع تصنف ضمن الأكبر في السعودية، فيما دخلت واحة الأحساء الواقعة بالمنطقة الشرقية في السعودية موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بوصفها أكبر واحة قائمة بذاتها في العالم، فهي تضم 2.5 مليون نخلة تتغذى من طبقة المياه الجوفية الضخمة، عبر 280 بئرا ارتوازية، على مساحة تتجاوز 85.4 كيلو متر مربع، بحسب ما أورده موقع غينيس الإلكتروني. وتعد الأحساء أحد مواقع السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي في الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، بجانب مدينة الحِجر في العُلا، وحي الطّريف في الدّرعية التاريخية، وجدة التاريخية، ومواقع الرسوم الصخرية في جبة والشويمس في حائل.

 

تنزه واستجمام وتنظيم مناسبات مختلفة

تمثل السياحة الزراعية أو الريفية أحد أهم مظاهر الجذب السياحي في مدينة تبوك؛ حيث تحظى المدينة وحدها بنحو 70 % من المساحة المزروعة بالمنطقة؛ نظرًا إلى وفرة المياه فيها.
وكانت مدينة تبوك من أولى وجهات السياحة الريفية والزراعية لأهالي المنطقة والمناطق المجاورة خلال الإجازات وعطلات نهاية الأسبوع؛ للتنزه والاستجمام أو لإقامة المناسبات المختلفة. وعرفت عددًا من المهرجانات التي تقوم على المنتج الزراعي كالورود والفاكهة، ومهرجان الزرعيّة في قرية الشبحة بأملج وغيرها؛ مما أسهم في استحداث مسارات سياحية متعددة تهدف إلى زيادة الرحلات السياحية للمناطق الريفية والزراعية؛ لما تحققه من عوائد اقتصادية واجتماعية على أصحاب المزارع والمواطنين في المنطقة.

ولا تقتصر مقومات السياحة الزراعية والريفية على مدينة تبوك، بل تتمتع الكثير من الأماكن الأخرى بالمنطقة بتلك المقومات، كما اشتهرت قرى عدة بزراعاتها المختلفة التي تستقطب السياح من كل مكان، وربما من بين تلك القرى تشتهر قرية “الشبحة” في أملج بمهرجانها السنوي لحصاد القمح، والمعروف بمهرجان “الزرعيّة”، وهو من أجود أنواع القمح، ويُزرع على مياه الأمطار ودون إضافة المحسنات الزراعية، ويتميز بجودته العالية. وتعد مزارع القمح بالشبحة من أقدم المزارع في المملكة، وتقع في مرتفعات الشبحة التي يتجاوز ارتفاعها 1500م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *