اجتماعية مقالات الكتاب

الموت يسقط الأقنعة

المواقف تمحص البشر وتختبر معادنهم وأصولهم وقد تُظهر خبايا نفوسهم وتفكيرهم لكن ليست وحدها التي تكشف الأقنعة وتعري الحقائق إنما هناك المناصب وزوالها. وهناك ما يمحص الناس بدقة أكثر ويكشفهم بشكل أوضح ألا وهو (الموت) الذي بعده تظهر حقيقة الأهل والأقارب والأصدقاء.. ودعوني هنا أخص بالذكر الأبناء بعد موت والديهم أحدهما أو كليهما.

الآباء والأمهات الذين أعطوا بكل تفانٍ وبذلوا الغالي والنفيس من أجل أبنائهم وحرصوا على التربية وغرس القيم والأخلاق الحميدة.. فالأم أعطت وبذلت لتزرع الوئام والحب بين أفراد عائلتها والأب الذي رحل بعد أن أفنى حياته وشبابه فداءً لأبنائه. وكم حرص على أن يكون أبناؤه وبناته نماذج مشرفة يرفع بها رأسه فخراً في حياته وأجراً بعد مماته. هؤلاء الأحباء الراحلون ألا يستحقون البر والوفاء؟.

والذين برحيلهم إما تستمر الحياة كما كانت في حياتهم وربما أفضل مما تمنوا. أو تتكشف الأقنعة فيحدث ما يكرهون. بعض الآباء لم يترك إرثاً مادياً كما ترك إرث سمعة طيبة تستحق الاعتزاز بها مدى الحياة. سمعة يجدر بالأبناء الحفاظ عليها باستمرارهم في مسلك الوالدين ويحذون حذوهم في الطيب والصفات الكريمة فليس أجمل بعد وفاة الوالدين من الحفاظ على ذكرهم الجميل وسمعتهم الطيبة. وفاة بعض الآباء والأمهات تنزع الأقنعة عند البعض ممن لم يوفقوا ليكونوا صورة حسنة لوالديهم.

طبعاً لا شك هناك الطيبون ذوو الأخلاق الرفيعة أصحاب الحياء أهل الوفاء الصالحون الذين يكرمون والديهم بدعوة طيبة من ولد صالح ويحفظون السمعة الطيبة لهم. الذين يراعون البر بهم بعد مماتهم فيصلون أحبابهم ويؤدون وصاياهم ويترفعون عن الإساءات. الذين يرون والدهم وما يحب في كل خطواتهم وسلوكياتهم وكلماتهم.

الواضحون ذوو النفوس الطيبة الصافية. هؤلاء نقف لهم احتراماً سائلين الله أن يكثر أمثالهم ويرفع قدرهم ويثيبهم رفعةً بسمو أخلاقهم ووفائهم. بعض الوالدين يظنون أن تركتهم الأخلاقية في تربية أبنائهم تتفوق كثيراً على تركتهم المادية فيُخيب الأبناء ظنهم. رحم الله الآباء الذين وثقوا في تربية أبنائهم ثم بعد الوفاة تكشفت الأقنعة بما لا يرضيهم.

تكشفت الأقنعة عن نفوس ضعيفة وسلوكيات لا تليق. بعض الآباء والأمهات لا يرون في أبنائهم ما يراه الآخرون ولا يقبلون أي ملاحظة أو تنبيه بذلك ثقةً بأنهم الأفضل. جزى الله الوالدين كل خير فأحياناً يهبون حباً ويمنحون ثقةً لا يستحقها بعض الأبناء والبنات. فبمجرد موتهما أو أحدهما يسقط القناع وتظهر الحقيقة الكامنة فيعاني منهم الآخرون. ولعل الحياة تنطق بحكايات الجحود والنكران وإلحاق الأذى بالغير بقلة وفاء وزوال حياء. هؤلاء البعض الذين للأسف رغم وجودهم إلا أننا نسأل الله ألا يكثروا ذلك أن أمثالهم يشوهون ذكريات حرص عليها الراحلون ولم يحفظوا وداً ولا معروفاً ونسوا أو تناسوا أن الدين المعاملة وأن الدين حسن الخلق وأن البر بالوالدين بعد وفاتهم أعظم شأناً وأرفع منزلة. (اللهم اجعلنا ممن إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا) ودمتم.

tarbawiah@hotmail.com‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *