اجتماعية مقالات الكتاب

مافيا الأفكار

لم تعد حواضن التخريب كما عهدناها من آليات ومعدات حارقة أو كتائب برفقة أسراب محلقة داعمة؛ فجميعها تحقق خسائر في ميادين النزاع وتخلف خسائر في الأرواح والماديات وتنهك الميزانيات لكل الأطراف، وقد اعتادت البشرية على رؤية ضحايا الحروب في ساحات النزاع في مراحل كثيرة من التاريخ؛ وتنشط فيها مافيا السلاح وخلايا تهريبها كبؤر محرضة في إطالة أمد القتال وتغيير موازينه، إلا أن العالم لم يجد أسوأ وأكثر فتكًا من خسارة العقول وفساد الأفكار.

فقد جُيشت كتائب فكرية وخطط مختلفة للتسلل الى عذرية الأفكار وتجنيدها كعملية تخدير يُساق أصحابها بكل إخلاص وحماس، أصبح العالم في مواجهة مافيا فكرية تهدد قيمه وسلامه عيشه، مافيا استطاعت الولوج في بيوت كثيرة آمنة وزرع أفكارها من تشويه لعلاقة الأسر وقراءات مغلوطة لنتاج الثقافات وقراءات وتزوير قراءات العلماء وإطلاق احكام تخدم اجندتهم وأهداف حواضنهم؛ ليسهل توجيههم الى الميدان المستهدف دون أدنى جهد أو خسارة مادية تذكر، فتعمل هذه المافيات في نسق استراتيجي لبناء مشاريع نفسية وفكرية ماكرة تقوم على أسس سلبية تنتفي معها المشاريع التنموية والتواصل الاجتماعي البناء وأخبار المرح وبواعث السعادة، تحرص مافيا الأفكار العدائية على أن يعيش ضحاياها فقدان الثقة وألوان الهوس واليأس والحزن؛ ليقوموا بتفريغها تلقائيًا ضد أنفسهم وأوطانهم كتحقيق أولي لأهداف مافيا الفكر والإرهاب الفكري.

فإن رؤية ضحايا الحروب العسكرية قد يكون أرحم بكثير من ضحايا الأفكار والتطرف أيًا كان نوعه، فخسارة الأجساد تقف عند حد معلوم، ولكن خسارة العقول والفكر الإنساني قد يصل إشعاع ضرره لأجيال عديدة في مجالاتهم الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

فمافيا الأفكار ومموليها تكبح خططهم بالتعليم والتعلم والتنمية والتطوير المستمر وحب الحياة واعمارها، والثقة الإيجابية تجاه مشاريع المجتمع والشعور القوي بنجاح خطوات التغيير والثبات على ركائز الاعتدال والقيم المثلى للإنسانية والوعي العالي تجاه منافذ التأثير على الفكر المشبوهة، وتحريض النشء بأن الاجتهاد والعمل والإصرار يبني الإنسان وان آمال أوطانهم وسردياتها هم أبطالها، فالحرب بين سلامة الفكر وتعايش الشعوب وتنميتها مع مافيا الفكر لا يطلق بها رصاصة واحدة، بل تطلق الأقلام المبدعة والمشاريع الناجحة والتفاؤل وكل ما يحمي سعادة الفرد والمجتمع ويحتضر إرهاب أفكارهم في قاعات العلم والابتكار وخدمة البشرية ومشتركاتها.

samahosaimi@gmail.com‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *