إحدى القصص الطريفة وقفت عندها ملياً لأنها تتناول جانباً من حياتنا الاجتماعية تقول القصة: مريم شابة تبلغ من العمر حوالي العشرين عاماً على قدر بسيط من الجمال، تعمل في صالون تجميل للسيدات تتودد لصاحبة الصالون وتكيل لها عبارات المدح والإطراء، بل إنها عندما تعلم أنها قادمة للصالون تسارع لانتظارها في مدخله وتفتح باب السيارة وترحب بها مبتسمة لها وقائلة: شرفتي يا أعظم سيدة أعمال وأعظم عقلية في الإدارة ووو.
كل ذلك وصاحبة الصالون متماهية مع هذا الإطراء ” النفاق” الذي يصادف هوى في قلبها وما هي إلا أيام إلا وقد فعل فعله في نفس صاحبة الصالون فأطلقت يد مريم في إدارة الصالون تنهي وتأمر وتفصل وتوظف من تشاء من زميلاتها العاملات ولا معقب لقولها وفعلها فصاحبة الصالون متفقة معها في كل ما تفعله، وأصبحت العاملات لا حول لهن ولا قوة إلا إذا رضيت عنهن مريم، فأصبحن ينافقنها أملاً في استمرار رزقهن بل حتى الزائرات يطلبن ود مريم لإنهاء خدمتهن على الوجه المطلوب والسريع، وأصبح الجميع يطلبون رضا مريم.
ما جعلني أتطرق لهذه القصة هو كثرة الذين يطلبون رضا مريم في الحياة الاجتماعية والوظيفية وينافقون رؤسائهم ومديريهم وكل من لديهم عنده مصلحة بغية تحقيقها، حيث تفشى النفاق الاجتماعي الذي يمثل تبايناً بين معتقدات الشخص ومشاعره التي يفصح عنها، على جوانب الحياة والعمل والعلاقات بين الأفراد وتراجعت فضائل كالصدق والمروءة وكل الفضائل والقيم السامية الأخرى على حساب الكذب والنفاق والتملق، وأضحت الغايات تبرر الوسائل ولو جاءت عبر رذيلة النفاق التي يستصحبها انهيار للقيم والأخلاق في التعاملات والعلاقات، بجانب أنها معول هدام ومن مهددات سلامة المجتمع لتداعياتها الممقوتة كاندياح الكراهية وانزواء الثقة وتفشي الخديعة والمكر والبطش بأصحاب الكفاءات لصالح أولئك الذين يجيدون النفاق من ذوي الكفاءات الوضيعة وغيره.
إن أسباب النفاق الاجتماعي تكمن في تحقيق المصالح الشخصية والتغلب على المنافسين وتجيير نجاح الآخرين للذات والحسد والكراهية ودغدغة عواطف البعض بغرض استغلالها في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي وغيره، وشخصية المنافق لا تجيد العمل إلا في بيئات التآمر وإذكاء الفتن وتدبير الحيل والدسائس في أوساط الآخرين كشخصية انتهازية وغير متصالحة مع ذاتها تظهر خلاف ما تبطن ومؤهلاتها التربص واقتناص الفرص واللعب على كل الحبال لتحقيق مصالحها.
إن قرآننا الحكيم ورسولنا الكريم قد ذمَّا النفاق والمنافقين في مواضع عدة لا يتسع المقام لإيرادها، وإن علاج المجتمع من هذه العلة يعتمد على التربية الاجتماعية الصحيحة المرتكزة على القيم الدينية والمجتمعية الفاضلة وتهذيب النفوس وإعلاء الوازع الديني والأخلاقي وبسط الوعي، ويقع عبء ذلك على عاتق الأسرة والمدرسة وأئمة المساجد ومثقفينا وكل الحريصين على سلامة المجتمع.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@