إن القتل لا ينحصر فقط على القتل المادي المعروف وإنما هنالك القتل المعنوي الأشد دناءة، إذ يعتمد القاتل على طرق رخيصة وخسيسة لينال ممن يستهدفه. ويمكن تعريف القتل المعنوي بأنه إزهاق إنسان لروح إنسان دون المساس بجسمه وإنما عبر إلحاق انفعالات على أعضائه الداخلية مما يفضي إلى اختلال في عملها أو توقفها ومن ثم الوفاة.
إن تدمير وقتل الأحاسيس والمشاعر الإنسانية للأشخاص قد عم في كثير من المجتمعات، وجلب أضراراً مؤلمة على حياة الفرد والمجتمع والبشرية كلها، ذلك أن الافتئات والتعدي على المشاعر الإنسانية كالفرح والأمل والتطلع والحزن وغيرها والتي تراكمت جراء تفاعل الفرد مع الآخرين، يمثل تبدلاً لسلوك الفرد بل والمجتمع. وهنالك صور للقتل المعنوي العاجل مثل إدخال الرعب في قلب صغير مصاب بمرض في أعصابه بطريقة دورية منتظمة فينهار ويموت ورفع السلاح في وجه شخص والتهديد بقتله فيموت رعباً، وإبلاغ مريض القلب بنبأ مؤلم بطريقة خاطئة مما يعرضه لنوبة قلبية تؤدي به، وتوجيه شتائم قاسية لمريض بالانفعالات وغيرها.
وفي جانب الأطفال فهنالك سلوكيات وتصرفات خاطئة تعرضهم للقتل المعنوي التدريجي وتؤدي إلى تقزيم مستوى ذكائهم كأن يتم الدعاء عليهم والاستخفاف بهم وتخويفهم وتهديدهم ومخاطبتهم بعبارات وضيعة وركيكة وتوجيه الانتقاد لهم باستمرار بل ضربهم وتأنيبهم وجعلهم يحسون بالنقص والدونية.
أما الموظفون فإنهم قد يصطدمون بعقلية بعض المديرين الذين ينصبون أنفسهم أبطالاً ويقومون بقتل موظفيهم معنوياً من خلال عدم الالتفات لهم وإهمالهم وعدم تحديد مهامهم بصورة محددة وحجبهم عن الإلمام بمعلومات وخطط المنشأة الأساسية وتثبيط عنصر الطموح لديهم ورفض مبادراتهم وغيره، وبالتالي يحدث ذلك صدمة لهم تترتب عليها ضعف همتهم ويأسهم مما يفضي تدريجياً إلى قتلهم معنوياً.
والأدهى في الأمر أن يزحف القتل بالطرق المعنوية من الواقع إلى عالم الإنترنت والتقنية لتغدو بعض وسائطها الاجتماعية مسرحاً للجريمة في ظل عدم وجود أدوات ملموسة لتنفيذها، وإنما تتم من خلال العبارات والكلمات المهينة القاسية أو عبر أفعال تنال من نفسية الشخص وأعصابه كالترهيب والتهديد أو بإبلاغ الأخبار المؤلمة والمقلقة أو القهر النفسي الجسيم أو التشنيع والتشهير بالشخص أو وضع مقاطع وصور مفبركة وخادشة للحياء لا تنال من الشخص المستهدف فحسب وإنما من أسرته كلها.
إن هنالك حاجة إلى تشريعات تواكب الطفرات التقنية والجرائم المستحدثة للقتل المعنوي، فضلاً عن أن التقدم التقني أحال العالم إلى قرية صغيرة، حيث يمكن أن تكون الجريمة عالمية إذا تم الفعل في دولة ما ونتيجة الجريمة في دولة أو دول أخرى، مما يحتم اتساق القوانين العالمية لردع الجناة، وفوق ذلك مطلوب انتهاج المحاذير اللازمة للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي في عالم أضحى فيه القتل المعنوي مهدداً للجميع.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@