الثورة الرقمية الهائلة في المجال التقني ووسائل التواصل الاجتماعي تتطلب جهوداً توعوية حول المحتوى الرقمي المتطرف وطرقه المتعددة وخطاباته المتنوعة والمُركزة في مجملها على محاولات التشويه للقيم والرموز الوطنية وتهميشها لأبسط المبادئ الإنسانية؛ وتفكيك ثقة الشعوب المستهدفة في تلاحمها الاجتماعي وقدراتها التنموية والأمنية.
فالنشاط الرقمي المتطرف والموجه عاطفيًا الى مجتمعنا تتشابه آلياته وإن اختلفت أنماطه من شعارات الى الحرية المفرطة أو الحالات الحقوقية المجهولة أو دعوات البطولات الوهمية بالأقنعة الدينية ورايتها العقدية المتطرفة؛ والتي تهدف جميعها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع المختلفة، وتطبيع أفكارها لدى افراده لتكوين قاعدة ضخمة متعاطفة مع دعواتها وتجنيدهم بالقدر الذي ممكن أن يحقق أهداف هذه الأنشطة الرقمية التي تديرها بالأصل تنظيمات ذات امتداد ديني وجغرافي توسعي متطرف.
وعند تحليل هذا التشابه والتوافق الواضح في أنواع المحتوى الرقمي المتطرف والانجذاب بين المتطرفين على منصات التواصل الاجتماعي رغم تناقض محور تطرفهم بين تطرف الانغلاق من جهة وتطرف الانفتاح والحرية الشاذة من جهة أخرى وتوحد موقفهم السلبي عند كل منجز وطني أو اختيار لولي أمر أو تصريح لمسؤول وطني، وكيف أن ردودهم القائمة بشكل متناسق على تأليب الرأي والتحريض والتخوين والذي يتعزز بالكثرة والدعم والتمويل حتى يصوروا أنهم أصحاب حجة وحل بديل وحاضن فكري عن الدولة في الفكر المجتمعي العام.
فقد عشنا قبل سنوات عمل التنظيمات الرقمية في (التجهيل الممنهج) لبعض الشباب والمراهقين واستعطافهم لقضايا داخلية وخارجية قائمة على التلفيق والخيالات وإشعال حماسة البطولات والأمجاد الوهمية في فكرهم حتى سيطرت الشعارات الرقمية المتطرفة على أفئدتهم بأنهم حراس الفضيلة دون غيرهم وعلى الآخرين الخضوع لنصائحهم باعتبارهم ممن نجوا وحدهم من الرذائل محللين سلوك العنف والإجرام كوسيلة تطويعية لأيدولوجيتهم على أنها جهاد في سبيل الله؛ حتى طبع عليهم الارتباك النفسي والنرجسية المرضية والخوف من الآخر المختلف من ثم العدوانية العنيفة ليتمخض هذا النشاط الرقمي بهم في النهاية الى قنابل ضد أمنهم القومي وتنمية دولتهم، والتي تعاملت معها الحكومة الحكيمة بكل احترافية واحتواء ومعالجة صارمة من جذورها.
في حين لوحظ بروز أنشطة رقمية ومعرفات تقنية لا محدودة في تطبيع الاضطهاد الحقوقي اللاواقعي لبعض المراهقين من الجنسين واستغلالها لبعض القضايا بإيهام عجز المؤسسات الرسمية في معالجتها، وضرورة هجرتهم كحل وحيد للعيش الإنساني الكريم المفقود في وطنهم، فيعمل لُب هذا المحتوى الرقمي ويستند نشاطه في تشجيع المراهقين على رحلات اللجوء المشبوهة واستغلال عدم استيعابهم بما يُحاك ضد دولتهم وقلة تجاربهم وتواصلهم الإنساني وتلميع الواقع الجديد المجهول؛ لأهداف خارجية قائمة في جعل هؤلاء المراهقين نوافذ تخريب تنطلق منها سهام إحراج ممنهج ضد وطنهم وتغييب الصورة الواقعية الحقيقية عن دولتهم أمام العالم وحرمانها من قوة بشرية مستقبلية.