بقلم : عفت السراج
أحدثت الثورة الصناعیة تغییر غیر مسبق في حیاتنا، ومنذ ذلك الحین أصبحت التكنولوجیا على رأس كل ھذه التغییرات، و بمجرد ظھور التكنولوجیا مع الإنترنت أصبح التطور یتسارع بشكل ملحوظ، ومازال العالم یحاول مواكبة ھذا التغییر.
و لحاجتنا للتواصل ولدت وسائل التواصل الاجتماعي التي غیرت عالمنا وأحدثت اختلاف كبیر في حیاتنا الشخصیة والعملیة على حد سواء، حتى امتد تأثیرھا إلى السیاسة، فإذا نظرنا إلى تويتر على سبیل المثال، نرى تأثیره الكبیر على المشھد السیاسي وخصوصاً الجانب الإعلامي والدبلوماسي. فتغیرت قواعد اللعبه الى الأبد. ھكذا وصف تركي الدخیل، سفیر السعودیة في الإمارات، قواعد اللعبه فتحطمت القوانین المعتاده، حیث انتھت طریقة رد الدبلوماسیین والسیاسیین التقلیدیة على الأحداث العالمیة الھامة.
وصنعت وسائل التواصل الاجتماعي طریقة جدیدة لم نعھدھا من قبل، فتحولت الخطابات إلى تغريدات وأصبح الأھم ھو سرعة الرد، وصار الإیجاز قمة البلاغة، فأصبح التعبیر عن المشاعر والرأي السدید بأقل الكلمات فن و فصاحه.
و تحدیات الیوم ھي سرعة الاستجابة ، فیستوجب على أي شخصیة ھامة الرد السریع فور وقوع الحدث. فالتغریدة لا تستغرق إلا بضع ثوان ولذلك التأخیر لا یغتفر، والصمت ولو حتى مجرد یوم واحد یتم رؤیته كموقف سلبي تجاه قضیة لا تقبل التراخي.
التحدي الثاني ھو العولمة، فالتغریدات متاحة أمام العالم كله، حتى أن تویتر یوفر إمكانیة الترجمة. ففي خلال ثوان تستطیع عرض وجھة نظرك أمام العالم كله، ورغم أن ذلك یعتبر امتیاز، إلا أنه تحدي صعب من ناحیة اجتیاز الحواجز اللغویة والثقافیة والتعبیر عن الرأي دون تجریح غیر مقصود تجاه أي فئة حول العالم.
أخیرًا، التحدي الرئیسي ھو البلاغة ، فلدیك ٢٨٠ حرفا فقط لتجد الكلمات المناسبة للتعبیر عن رأيك بإیجاز حتى لا یساء فھمك، وبالرغم من سھولة الرد وتوضیح أي سوء تفاھم، إلا أنه من الصعب إقناع الجمیع بصدق نوایاك أو حتى بتوصیل ھذا الرد لكل من قرأ التغریدة.
أصبحت ھذه التحدیات ضروریة و إلزامیة، حیث یأخذ العالم الدبلوماسیة الرقمیة جزء لا یتجزأ من سیاسة الشؤون الخارجیة الخاصة بھم. فنجد بلاد مثل الولایات المتحدة وبریطانیا خصصوا فرق وأقسام فقط من أجل الاستراتیجیة الرقمیة الخاصة بشئونھم الخارجیة، وحتى ھنا في المملكة العربیة السعودیة نرى جھود كبیرة في تطویر الدبلوماسیة الرقمیة.
تبدأ الدبلوماسیة الرقمیة على مستوى وزارة الخارجیة، و تتفرع بعدھا إلى السفارات حول العالم، فھي أداة فعالة یمكن للدول من خلالھا الاھتمام بشؤونھم الخارجیة ، و وسیلة تواصل سريعة لتحسین العلاقات الخارجیة، والمحافظة على صورتھم الإیجابیة أمام العالم، فھي قناة اتصال لتحسین علاقاتھم الدولیة. فیمكن لتغریدة واحدة من شخصیة مرموقة بالدولة أن تحظى بقدرة أفضل على الاستجابة و تكون أقوى من الكلام المكلف في الخطابات العامة .
یمكن اعتبار الدبلوماسیة الرقمیة للبلاد مثل التسویق الالكتروني للشركات، فھدفھم التقارب مع الجمهور وبناء العلاقات و العلامات التجاریة، و في ھذا العصر لا یمكن لأي بلد أن یعیش بدونه.
