متابعات

المسؤولية أهم ركائز التنشئة الصالحة.. مختصون لـ«البلاد»: التربية الوطنية تحول المواطن لرجل أمن

البلاد – حمود الزهراني- مرعي عسيري – أحمد الأحمدي

ويرى تربويون ونفسيون وخبراء اجتماعيون أنه لكي يكتب للمنهج المدرسي النجاح، ويؤدي الأدوار المنوطة به، ويحقق الأهداف المرجوة منه، ينبغي مراعاة الأسس الفلسفية والاجتماعية والنفسية والمعرفية في التعليم، لتنمية المسؤولية المدنية لدى الطلاب حتى تتحقق المواطنة الصالحة التي تجعل الفرد يعتز بانتمائه لوطنه ولأمته وثقافتها وحضارتها الإنسانية ويقدر في نفس الوقت ما تقدمه الشعوب الأخرى في سبيل استمرار حضارة الإنسان، مع وضع آليات وبرامج يمكن أن تجعل من المواطن رجل أمن أول لحماية الوطن، وليكون لبنة صالحة في بناء أمته، ويشعر بمسؤوليته لخدمة بلاده والدفاع عنها، وذلك بتهيئة التلاميذ لتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، والتوجيه الإيجابي لسلوكهم وممارساتهم وأعمالهم وتصرفاتهم وتفكيرهم واتجاهاتهم وميولهم، والوعي بالجوانب الاجتماعية، مطالبين بوضع منهج للتربية الوطنية في المرحلة القادمة. 


ويقول المستشار التعليمي سعد بن إبراهيم المطرفي، إن من أهم ركائز المواطنة الصالحة المسؤولية المدنية لكونها ذات اتصال جذري بالبناء المعرفي للفرد، وقيمه وممارساته الإيجابية في الإطار المجتمعي الذي يعيش فيه، لذلك من أهم الأهداف النمائية المستمرة لمؤسسات التعليم غرس المسؤولية الفردية والمجتمعية والوطنية والقيم والانتماء في النشء منذ مراحل تعليمهم الأولى كي تتحول كل تلك المعطيات الإيجابية إلى مخرجات مهمة وسلوك ممارس في مرحلة مستقبلية من تعليمهم، فالحواضن المعرفية هي ناقل للثقافة والقيم والمعارف ومسؤوليتها مسؤولية مستمرة على اعتبار أن مخرجات التعليم تتمثل في توافر مستوى مطمئن من المسؤولية والمواطنة والهوية الثقافية والانتماء لدى الأفراد لكون مجموع هذه المخرجات يمثل المقومات الأساسية لاستمرارية التنمية والتطور، فتنمية قيم المواطنة تؤدي إلى تأكيد الانتماء، وتأكيد الانتماء مرتبط بالاعتزاز بالهوية الثقافية للوطن. ولفت المطرفي إلى أن مسؤولية المؤسسات التعليمية في مستوى يوازي مستوى مسؤولية الأسرة في بناء الفرد الذي يتحلى بهذه المسؤولية وقيمه وثقافته في مواجهة التدفق العالمي للمعلومات والثقافات، أيضا الإعلام الرقمي وإنترنت الأشياء اللذين أصبحا أيضا يلعبان دورا في التأثير على الأفراد نحو تشكيل مفاهيم جديدة لدى الأفراد.


تنمية المسؤولية
قال المستشار التربوي والتعليمي نايف عون شرف البركاتي: “لكي نعي ماهي المسؤولية الاجتماعية لدى الفرد والأعمال المناطة به، يجب أولا أن يعي الفرد أن المسؤولية الاجتماعيه نظرية أخلاقية تقع على كاهل الفرد لمصلحة المجتمع، وبذلك فهي ثقافة أصيلة في الإسلام، إذ يجب استغلالها في ماينفع المجتمع والابتعاد عن مايضره لنحقق الأهداف المنشودة، فلابد أن يلتزم الإنسان تجاه نفسه والمجتمع وأن يكون مسؤولا عن تصرفاته وملزما بكل ماينتج عنها وأن يحترم العادات والتقاليد خصوصا أنه تقع عليه مسؤولية اجتماعية دينية وأخلاقية، ما يستوجب تربية الأبناء وتعزيز الأخلاق الحميدة لديهم، بما ينعكس إيجابا على المجتمع  فالناحية التعليمية تؤدي إلى رفع قيمة الفرد”.

أكد مسؤول وخبير المسؤولية الاجتماعيه في كشافة شباب مكة عثمان خليفة مدني، أنه من واقع خبرته الطويلة في الكشافة يرى أن شباب المملكة لديهم مشاركات فعالة في تنمية المسؤولية المجتمعية عبر الأعمال التطوعية ولو على حساب صحتهم وبدون مقابل، يدفعهم لذلك حب الوطن والانتماء إليه. وأضاف: “يعني ذلك بالتأكيد أنهم تشربوا هذه القيم منذ الصغر، فالتربية الوطنية تجعل الإنسان يقدم مصالح وأمن وطنه على مصالحه الشخصية مهما كانت المغريات، ولا شك أن الفطرة السليمة والمنهج المدرسي والتربية الصالحة لها دور كبير في إعداد الأجيال المتعاقبة بما يتفق مع المباديء والأسس والقيم السليمة التي يسير عليها المجتمع السوي”.


المواطنة الحقة
أشار التربوي حجب العصيمي، إلى أن المواطنة الحقة تكون بالانتماء للوطن والتشرب بحبه، فهذه هي الفطرة السليمة للإنسان الذي ولد وترعرع على حب الوطن وتغذى من خيراته، ما يجعله يسعى دائما لكل ما فيه عزة ورفعة الوطن وحمايته والدفاع عنه بكل ما يملك لإلجام إعدائه، فهكذا تتحقق المواطنة الصالحة، وعلينا نشر هذه القيمة بين أفراد المجتمع،

بينما نوه الأخصائي الاجتماعي أحمد الحازمي، إلى أهمية محافظة الشخص على مقدرات وطنه وحفظ أمنه، مشددا على إنزال العقوبات على من يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن، وكذلك المستهترين والمخربين للممتلكات العامة.

ويقول المحامي عبدالله بن صديق فلاتة: “ما أجملَ أن يكون الفرد نافعاً لمجتمعه، ناشراً الخير والفضيلة في محيطه، صانعاً للأمل والتفاؤل في نفوس محبيه ومن حوله، حاملاً للقيم السديدة، والأخلاق العالية الرفيعة، ليسهم في بناء وطنه وازدهاره بالكلمة الطيبة أو النصيحة الصادقة أو بالفكرة الهادفة المبدعة أو بالعمل الدؤوب”، مضيفا :”المواطنة الصالحة هي ممارسة سلوكيات واجبة على كافة أطياف المجتمع. ومن مقتضيات تنمية المسؤولية المدنية لدى الفرد ليكون مواطنا وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتقديمها على المصالح الشخصية الضيقة. وأيضاً تعزيز محبة الوطن في نفوس أفراد المجتمع، لا سيما الشباب والأبناء والنشء. ومن الفطرة السليمة أن يسعى الإنسان إلى رفع شأن وطنه وتنميته وازدهاره، لأن الفطرة ارتبطت به، فهو الذي تربى فيه ونشأ وترعرع بين أحضانه، وأكل وشرب من خيراته، وعاش في أكنافه. وكذلك من المسؤولية المدنية على الفرد (الأب والأم والمعلم والمربي) غرس الثوابت والقيم الجميلة الناصعة، كالاعتدال والوسطية والتعايش والتسامح واحترام الآخرين والإيجابية والابتكار والإبداع وحسن الخلق والعمل التطوعي، وغيرها من القيم، ومنها أيضا تطبيق كافة اللوائح والقوانين التي وضعت من قبل الجهات المعنية والمختصة في الدولة، والتي تهدف إلى سلامة الفرد والمجتمع، وحث الجميع على تطبيقها والالتزام بها وعدم مخالفتها”.


التربية السليمة
ويرى عبدالله فلاتة، أن قيم المواطنة الصالحة تستلزم من الأسرة أن تربي الأبناء تربية صالحة، حتى يكونوا أفراداً صالحين في مجتمعهم، نافعين لدينهم ووطنهم، ويكون ذلك بتكاتف الجهود بين الأسرة والمؤسسات التعليمية والمعلم، لغرس حب الوطن والانتماء له والاعتزاز به وبتاريخه والمحافظة على ثرواته ومكتسباته وقيمه وثوابته في نفوس الأبناء، وتربيتهم على العمل بإخلاص بجد واجتهاد من أجل رفعته وازدهاره. وتابع: “تستلزم المواطنة الصالحة من الفرد أن يستشعر مسؤوليته تجاه وطنه من خلال محافظته على نفسه، من كل ما يضره سواءً كان مادياً أم معنوياً، وكذلك أن يحافظ على صحته ووقته وجهده وطاقته، وأن يوجهها في الخير وخدمة وطنه، وأن يحافظ على عقله من أن يتشرب الأفكار المسمومة، فإنها أشد فتكاً من كل الأضرار، وأن يكون معول بناء لا هدم، وأن يكون شريكاً في المحافظة على أمن وطنه، وأن يسخر إمكاناته التي يملكها في خدمته، فالعالم بعلمه، والكاتب بقلمه، والغني بماله. فالوطن بحاجة إلى المواطن الصالح الذي يعرف قيمته، ويسهم في علو مكانته بين الأوطان، ويسعى في بنائه وازدهاره، ويسخر إمكاناته لخدمته، ودفع الضرر عنه، والمحافظة على أمنه واستقراره وسمعته الطيبة، والمواطنة الصالحة انتماء وموالاة تنعكس في سمات التضحية وتترجمها إلى معاني الوفاء والإخلاص”.


قيم وأخلاق
قطع مدير عام تعليم عسير الأسبق الدكتور عبد الرحمن فصيل، بأن المنهج المدرسي هو الأساس في إعداد مجتمع صالح، فمنذ السنة الدراسية الأولى وحتى نهاية المرحلة الجامعية والدراسات العليا يحمل المنهج قيم التربية الأصيلة والتوجيه لتخريج الأجيال في مختلف القطاعات، إذ يتم تعليم المبادئ الصالحة وأدبيات وأخلاقيات المجتمع، مضيفا: “ينبغي أن يراعي تجديد المناهج الزمان والمكان والتغيرات المتنوعة لينعكس ذلك إيجابا على المجتمع”.


ويقول التربوي الدكتور سعد عوض آل غنوم، إن المنهج المدرسي هو صنيع المجتمع والمنهج موجه للطلاب بما يتفق مع العادات والتقاليد، والمهم في المنهج هو كيف يؤدى حتى يدركة المتعلمون ويستقر في أذهانهم وينعكس على مجتمعهم،

بينما ذكر مساعد مدير تعليم عسير السابق محمد آل عريدان، أن المنهج يجب أن يتفق مع واقع الحال بمعنى أن يتلمس التربويون والمؤلفون وضع المجتمع وما يطرأ من تغيرات ليكون المنهج متطباقا مع واقع الحال، فالتربية المنهجية من خلال المدرسة هي خير موجه للنشء.

وفي السياق ذاته، قال التربوي الدكتور صالح الحمادي: “لاشك أن إعداد الأجيال بحسن التوجيه وسلامة التعليم بمنهج وافي يخرج أجيالا صالحين. وأعتقد أن مادة التربية الوطنية أسهمت بشكل كبير في تعريف الأجيال بمسؤليتهم الوطنية. وعلينا أيضا عدم تحميل التعليم فقط مسؤولية تربية الأجيال إنما لوسائل الإعلام أيضا دور مهم وكذلك المنابر والخطب والدعاة، بينما دور المنزل أكبر فهو الموجه الأول”. في وقت يرى معلم التربية الإسلامية عبد الله أحمد الشهري، أن النشء هم قاعدة المجتمع وإذا أعدوا بشكل مثالي أحسوا بمسؤليتهم تجاه وطنهم والدفاع عنه، فالمجتمع منظومة متكاملة لإعداد الأجيال وحثهم على الارتباط بقيادتهم ووطنهم ومجتمعهم، مضيفا: “الوطن هو البيت الكبير الذي نسكنه جميعاً فلا بد أن يكون محميا بأبنائه المسلحين بالتربية الصالحة والتعليم السليم”.

محبة الوطن والدفاع عنه من أعظم الحقوق

أكد الدكتور مسفر بن سعيد البشيري الزهراني، إمام مسجد قرية الأشتاء بمنطقة الباحة، أن أعظم أهداف المناهج والمقررات الدراسية في جميع المراحل الدراسية بالمملكة، هي تربية الطلاب والطالبات تربية إسلامية تهتم ببناء شخصياتهم وتنمية قدراتهم وتحقيق رغباتهم، مبينا أن مادة التربية الوطنية لها دور كبير في الحفاظ على الأمن والاستقرار في وطننا الغالي وهي تعمل على غرس الولاء لولاة أمر المسلمين، وجعل محبة الوطن والدفاع عنه من أعظم حقوق الوطن علينا وتقديم محبته ومصالحه على المصالح الشخصية. ولفت الدكتور الزهراني، إلى أن المناهج الدراسية تهتم بتنمية شخصية الطالب والطالبة من جميع النواحي الدينية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وكل ما يحافظ على المنجزات وينميها، كما أن لها دور كبير في معالجة المشكلات والتغلب على الصعوبات التي قد تواجه الطلاب في حياتهم الأسرية والاجتماعية.


ومضى قائلا: “للمناهج الدراسية دور فاعل في تحمل المسؤولية المدنية لدى كل شخص لتحقق المواطنة الصالحة. والتي تجعل الفرد يعتز بدينه وبوطنه وأمته ودولته وثقافته وحضارته الإنسانية، وبفضل الله أصبح المواطن السعودي يشار إليه بالبنان في شخصيته المتكاملة بين الأمم المعاصرة. فحضارتنا الإسلامية راقية تستمد منهجها من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أهم البرامج والآليات التي تمكن المواطن ليكون رجل الأمن الأول هو الاستفادة من التقنية الحديثة والثقافة الأمنية العالية ومنها الأمن السيبراني، فالتربية الوطنية لها أثر كبير في السلوك الاجتماعي الإيجابي. وتتيح فرصة بناء المواطنة الصالحة، ولها أثر كبير في تربية المواطن ليكون لبنة صالحة في بناء أمته وتحمل المسؤولية لخدمة بلاده والدفاع عنها. وهذا الأمر من أهم أهداف التعليم في المملكة المهتمة بحماية الأمن الفكري لجميع أفراد المجتمع المسلم وحمايته من الغزو الفكري والمذاهب الفكرية الهدامة والدخيلة عليه”.

ويرى الزهراني أن النموذج المقترح لمنهج التربية الوطنية في المرحلة القادمة يعتمد على التطوير والتجديد مع المحافظة على أصالة المجتمع وعاداته وتقاليده، سائلا الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار والصحة والعافية والعمل الصالح.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *