في دهاليز الفكر البشري تعقيدات متقدمة تديرها وتوظفها ملايين الخلايا العصبية، علمنا عنها شيئا وغابت عنا أشياء أكبر وأكثر وأعقد، لذلك لا يوجد فكران بشريان متطابقان تماما ولا يمكن أن يكون الاتفاق تامًا حيال معتقد ما.
وعليه يختلف الناس في رؤيتهم وتقييمهم لما يرونه من المحتوى على وسائل التواصل ويختلفون حد القطيعة والشتيمة أحيانًا حول ما يرد في مقطع قصير أو تغريدة معدودة الكلمات وقد يستمر الجدل لأيام وأسابيع أو أكثر يستخدم فيها المتجادلون ما يملكونه من أسلحة الهجوم والردع والدفاع عن مواقفهم الفكرية.
أحدهم يرى أن فكرة ما تافهة بينما يرى الآخر أنها ممتعة ويرى ثالث ورابع وخامس أنها مزعجة أو مثيرة أو مجنونة.
وقد يتنازع طيف واسع من الناس حيال تفاهة بعض المحتوى الرقمي خاصة على منصة تويتر وينشأ تبعا لذلك مفاهيم مثل: مشاهير الفلس والتفاهة ومشاهير المحتوى الأجوف والخالي من المعاني وربما محتوى الفساد والافساد الفكري.
وللأمانة فإن لمحتوى التفاهة فضلا على من يحمل فكرًا جميلا ومجيدًا فهو – أي فكر التفاهة – بمثابة الصورة العفريتية التي بتوسطها نقطة بيضاء تجعل الكل يعرض عن اتساع نطاق السواد ويتساءل عن ذلك البياض داخله.
حينها تبرز الفضيلة بين أكوام الرذيلة، والأخلاق الحميدة داخل تكتلات الاسفاف والانحطاط، والفكر الناضج في وسط الفكر الضحل، والجمال في عقر دار البشاعة والسوء وهكذا دواليك لتستمر فرضية أن الأشياء تتميز بضدها بل إن الضد السيء المتسع يصبح في موقف صعب وهو يرى كل هذا النفوذ المكاني يتضاءل أمام قيم نيّرة ومبادئ أصيلة وأخلاق فاضلة.
شكرًا لثقافة التفاهة أن أعادت للناس تلمس الجديّة والحرص على المفيد، وممتنين لها أن جعلتنا نرى تهاوي أركانها الهشّة أمام المجتمعات الكريمة والمدارك ذات الفطرة السليمة، وشكرا للقائل بثقة أن هنالك دوما نورًا يبهج المسافر ويسعد الراحلين في نهاية ذلك النفق المظلم.
dralaaraj@