( الوقاية خير من العلاج ) مقولة خالدة في عالم طب الأمراض الجسدية، لكنها تسقط بشكل حتمي على عالم الأمراض الاجتماعية؛ ذلك أن العافية من البلاء أيًّا كان نوعه لا شك أنه أولى وأجدى وأوفر للوقت والجهد والمال، وأسلم في ضمان النتائج الإيجابية بكثير من الوقوع فيه، وإذا كان عمل الدبلوماسية الإنسانية في مجمله يتبلور في إقناع قادة الرأي وصانعي القرار بالعمل لصالح الأشخاص الضعفاء والمحتاجين، والعمل على الدوام لما هو في مصلحة المستضعفين، فإن الدبلوماسية الوقائية هي العمل الرامي إلى منع نشوء منازعات بين الأطراف من الأساس، ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها، وتشمل هذه التدابير الوقائية: الإنذار المبكر للصراع، وتقصي الحقائق، وتدابير بناء الثقة، والنشر المبكر، والمناطق منزوعة السلاح، وغيرها.
وفي هذا الصدد يؤكد كثير من المتخصصين في مجال الدبلوامسية الإنسانية على الحاجة إلى زيادة القدرة على العمل في وقت مبكر وبشكل وقائي ضد التهديدات الناشئة، فهناك إمكانات كبيرة غير مستغلة لما يمكن المساعدة على تحقيقه عبر الدبلوماسية الوقائية، ومع أن الدبلوماسية الوقائية قد لا تكون فعالة في جميع الحالات، ولكن يجب أن نعي أنها لا تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة.
ومن باب الاعتراف بالحق للعاملين في مجال الدبلوماسية الإنسانية فقد شهدت العقود الماضية إنشاء قدرات وقائية جديدة في كامل اﻟﻤﺠتمع الدولي، وفي المنظمات الدولية والإقليمية، وشملت هذه الابتكارات إنشاء نظم للإنذار المبكر، وآليات تمويل محدد الأهداف بغرض الاستجابة السريعة، وإنشاء هياكل وقائية مخصصة، والاستخدام المتواصل للمبعوثين الخاصين.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي لا تزال تعوق الجهود المبذولة في مجال الدبلوماسية الوقائية والتي يعد من أبرزها غياب الإرادة السياسية في السلام أو التسوية – إلا أن تقريرًا صادرًا عن الأمم المتحدة في أغسطس2011م تشير نتائجه إلى أن ثمة مؤشراتٍ متزايدة تدل على أن الجهود الجماعية الرامية إلى منع نشوب النزاعات تستجيب بشكل أفضل للاحتياجات في ميدان عمل الدبلوماسيين الإنسانيين، حيث إن عدد النزاعات منخفضة الحدة التي اندلعت في الفترة من عام ٢٠٠٠م إلى عام ٢٠٠٩م لا يكاد يبلغ نصف عدد النزاعات التي اندلعت في التسعينات، وانخفض عدد النزاعات الحادة (البداية والتصعيد) من ٢١ نزاعًا إلى ١٦ نزاعًا، وفي حين أن هناك عددًا من العوامل التي تفسر هذا الانخفاض فإن الزيادة في عدد الإجراءات الوقائية التي اتخذﺗﻬا البلدان واﻟﻤﺠتمع الدولي والمنظمات العاملة في مجال الدبلوماسية الإنسانية قد لعبت دورًا كبيرًا في ذلك؛ وهذا يفسر السبب في الدعم العالمي المتنامي للدبلوماسية الوقائية.
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.