جدة – مها العواودة
تحول نوعي للتنمية البشرية حان وقته بعد طول انتظار، بإعادة رسم خارطة المخرجات الجامعية لتتوافق مع تطورات سوق العمل، وتنهي مسافات واختلالات فرضتها المتغيرات الاقتصادية وطبيعة الأنشطة وتخصصاتها المطلوبة بالقطاع الخاص. تكمن الخارطة الجديدة في حزمة القرارات التي أصدرها مجلس شؤون الجامعات برئاسة وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ ، ومنها قيام الجامعات بقياس نسبة توظيف خريجيها لكل تخصص، بهدف إعادة هيكلة القبول بها بما يلبي احتياجات سوق العمل. “البلاد” ناقشت الخطوة الجديدة ، مع عدد من المهتمين بهذه المجال في التقرير التالي: بحسب بيان وزارة التعليم، تضمنت قرارات مجلس شؤون الجامعات: رفع القبول إلى الضعف في الكليات النوعية (الصحية والهندسية والتقنية والتطبيقية وإدارة الأعمال) وفقاً للطاقة الاستيعابية لتلك الكليات، وبما يحسّن من مخرجات العملية التعليمية، ويسهم في سد احتياجات سوق العمل.
كما تم تخفيض القبول بنسبة لا تقل عن (50%)، في التخصصات غير المتوائمة مع سوق العمل مع زيادة استيعاب الطلاب والطالبات في الكليات النوعية ، بما ينعكس على إعدادهم لسوق العمل بشكل احترافي وأكثر كفاءة وفاعلية.
استثمار المخرجات
برؤية أكاديمية وخبرة المسؤولية ، يؤكد الدكتور عبد الواحد الحميد ، نائب وزير العمل سابقا وعضو هيئة التدريس بجامعة البترول والمعادن سابقا والإعلامي المعروف، أن القرارات الجديدة مهمة لتحقيق ملاءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل وفي الوقت ذاته معالجة نقص بعض المخرجات من التخصصات المطلوبة، والذي بسببه حدث التوسع في استقدامها من خارج المملكة ومفاقمة الاختلالات في سوق العمل ، لذا من المأمول أن تسهم هذه القرارات في رفع مخرجات التخصصات المطلوبة واستثمارها جيدا ، برفع كفاءة وإنتاجية الموارد البشرية الوطنية وتعظيم الاستفادة من برامج التعليم الجامعي بما يتناسب والحاجة الفعلية للاقتصاد السعودي.
ويضيف د. الحميد: ان من الجوانب التي اهتمت بها هذه القرارات هو مراعاتها للمرونة في مواجهة تقلبات سوق العمل حيث نصت على أن يُعمل بها لمدة خمس سنوات ويتم تقييم تطبيقها بعد مرور ثلاث سنوات، وهذا مهم للغاية منعاً للجمود فيما لو تزايدت مخرجات التخصصات الشحيحة حالياً بعد فترة من الزمن وتحوَّل الشُّح إلى فائض ، حيث هناك دورات متعاقبة من الفائض والعجز في التخصصات بأسواق العمل في جميع دول العالم ، وعندما يحدث فائض في بعضها توجد بطالة للمتخصصين فيها إذا لم يتم الانتباه إلى ذلك والتخطيط لمواجهتها.
وظيفة لكل خريج
في السياق أكد عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث أن المملكة تمر بتغيرات كبيرة وسريعة وتحولات نوعية طموحة ،تتطلب سد الفجوة بالمعارف والمهارات. ومن هنا تأتي أهمية قرار مجلس شؤون الجامعات برفع نسب القبول في كليات محددة والاهتمام بالشهادات الاحترافية والمهنية تماشيا مع الاحتياجات المعرفية والمهارية الحالية والمستقبلية.
وأوضح أن القرار يعطي مؤشرات على أهمية المنافسة بين الجامعات لمواءمة برامجها الأكاديمية مع متطلبات واحتياجات سوق العمل المحلي والعالمي ، و يحفز مسؤولي الجامعات والكلية للوقوف على احتياجات سوق العمل السعودي ، وتوجيه الجامعات نحو التميز في برامج المهارات وتحسين قدرات الطلاب واكتشاف المواهب والعمل على صقلها وزيادة تنافسيتهم في سوق العمل ومراجعة الدورات الجامعية وتطويرها ، بما في ذلك التركيز على دورات اللغة الإنجليزية في جميع التخصصات وفي جميع المستويات التعليمية.
ويخلص د. المغلوث إلى أن القرار يزيل الفجوة القائمة حاليا بين الجامعات والشركات الكبرى والمصانع في المملكة ، حيث تلتزم الجامعات حاليا بالجلوس مع تلك الشركات والمصانع ، والاستماع إليها ، لمعرفة متطلبات الشركات والمصانع ، للوصول إلى رابط بينهما لإيجاد وظائف للخريجين بناءً على التنسيق المسبق لتلك المتطلبات ، والعمل وفق قاعدة «وظيفة لكل خريج» ، حيث أن الزيادة في معدلات التوظيف وزيادة رواتب الخريجين ستكون من بين أبرز العناصر في الاعتمادات والتصنيفات الأكاديمية.
كما أن يحد القرار من عرض فرص عمل وهمية للراغبين في التوظيف. ويحد من مبررات ومتطلبات القبول للمتقدمين لوظائف الشركات ، وفي نفس الوقت يساعد المسؤولين في وزارة التربية والتعليم والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في رسم الخطط وتحديد المسارات المهنية والفنية والمدارس الثانوية في توجيه الاختصاصات حسب احتياجات السوق المحلي ، والجامعات في “التركيز” على التخصص في وقت مبكر منذ المرحلة الثانوية ، وفي ذلك التوقف عن دراسة المواد التي قد لا يحتاجها في الدراسة الجامعية أو العمل الوظيفي.
وظائف المستقبل
وتتفق سيدة الأعمال وضحى بنت سعد الهاجري ، مع ماسبق قائلة: الحكومة تسعى جاهدة وبرؤية وخطط واضحة لاستثمار رأس المال البشري الوطني ، وفي هذا الإطار تأتي قرارات مجلس شؤون الجامعات ، ومنها نشر وقياس الراتب بوجه عام للخريجين على موقع الجامعة ، ومؤشرات تقود الطالب للتنافسية والاجتهاد مما يجعل له الاولوية في التوظيف.
وتضيف: إن رفع نسبة القبول في الكليات النوعية (الصحية والهندسية والتقنية والتطبيقية وإدارة الأعمال ) يعد قرارا صائب وهذا مايحتاجه الوطن لما لهذه التخصصات من دور مهم في بناء المجتمعات المتطورة ، خاصة مع التوسع النوعي لشرايين التنمية المستدامة واقتصاد المستقبل الذي يقوم على عقل وجهد الأجيال من أبناء الوطن وبناته ، مما استوجب تطوير المناهج في التخصصات المطلوبة حاضرا ومستقبلا، وفتح مجالاتها أكثر امام خريجي وخريجات الثانوية العامة جنبا إلى جنب مع التعليم التقني والفني بإمكاناته الكبيرة أيضا.
جانب آخر تطرحه سيدة الأعمال الهاجري ، وهو أهمية قرار تخفيض نسبة القبول في التخصصات غير المتوائمة مع سوق العمل اليوم و لمدة محددة ، مما يسهم في الحد من البطالة ، وعلى ضوء ذلك يجب في هذه المرحلة ولاحقا تطوير وتدريب خريجي هذه التخصصات النظرية بما يتناسب مع مجالهم العلمي لكي يكونوا في دائرة سوق العمل وتعزيز استقرارهم الأسري ضمن سياق المجتمع المنتج ، والشهادات الاحترافية والمهنية.