“رجل يتكلم في موناكو ويسمعه رجل في لندن، إنها النهاية”؛ بهذه الجملة القصيرة، علقت صحيفة بريطانية على وصول أول بث صوتي عبر الأثير الى لندن. الآن وبعد مرور أكثر من مائة عام على “النهاية المزعومة” التي تحدثت عنها الصحيفة؛ هل ما زلنا نحمل نفس الدهشة كلما طالعنا العلم بتطور جديد؟ لماذا ننبهر دائماً من الاختراع الجديد ونعجب به، ومع الوقت يصبح عاديًا جدًا؟.
الحقيقية أنه عند اكتشاف أي فتح علمي جديد، غالبا ما تكون الأدوات المتوفرة أقل قدرة على قياسه ومعرفة تطبيقاته. فعلى سبيل المثال عندما رصد عالم الفيزياء الألماني هيرتز الموجات الكهرومغناطيسية بشكل عملي علق قائلا: ”لا أعتقد أنه سيكون لها أي تطبيق عملي، هي مجرد إثبات بأن الموجات الكهرومغناطيسية التي تحدث عنها ماكسويل موجودة، على الرغم من عدم إمكانية رؤيتها“. والحقيقة أنه اكتشف واحدا من أعظم الاختراعات في التاريخ التي فتحت الباب للاتصالات اللاسلكية كواحدة من أساسيات الحضارة التي نعيشها اليوم.
نتساءل، لماذا كثرت في السابق الفتوح العلمية عالية الإضافة مقارنة بعصرنا الحاضر؟ وهو سؤال تكمن الإجابة عليه في أن المنهج العلمي وصل مرحلة من البناء أصبحت التراكمية فيه أولى من غيرها. فالتطور أصبح متدرجا ويصعب أن تشعر به، فكل مرحلة تبنى على ما قبلها بحيث تكون الزيادة غير محسوسة للإنسان العادي. فالاختراعات العملاقة تجد أن أساسها قد ساهم فيه آلاف العلماء حول العالم، وبعضهم لم يتواصل مع بعض أصلا، وإنما المنهج العلمي كان هو الواسطة؛ وهو المصب الذي تتجمع فيه الإنجازات لتخرج لنا بشيء لم تر عظمته البشرية من قبل. وهذا هو أساس الحضارة والتقدم العلمي الذي نعيشه الآن، وهي حضارة مختلفة عما سبقها، يميزها أن الكل مساهم في تطورها وازدهارها من أقصى أدغال القارة الأفريقية، إلى وسط مانهاتن في أمريكا.
هل وصلنا القمة بعد؟ إن هذا الأساس العريض من المساهمات السابقة، يجعل كل مساهمة مهما كانت عظمتها ضئيلة الحجم بشكل يجعل البعض يحس بأن العلم وصل قمته ولا بد من بداية الانحدار. والحقيقة مخالفة لذلك. فالعلم لا ساحل له وما أُوتينا إلا القليل منه، فمهما بلغنا من التطور فإننا لن نصل للنهاية أبداً. وهذا من عظمة العلم البشري فهو محدود ككمية، لكنه لا يمكن الإحاطة به. باختصار يمكننا القول بأننا وصلنا لمرحلة عالية التطور وأصبحت الإضافات الجديدة لا تلامسنا بشكل مباشر ومبهر كما في السابق.
فهل يحق لنا أن نقول إن العلم تشبع ولم تعد هناك إضافات محسوسة للبشر؟ هل نتوقف ونكتفي أم لا زال الطريق طويلاً، هل أدواتنا الحالية تكفي للحكم على مستقبل لا نراه.
بقي أن نعود إلى الكلمات التي علقت بها الصحيفة البريطانية على تشغيل الراديو بأنها النهاية.. لماذا يترقب العالم النهاية دائما؟
dokhyl@