الإقتصاد

السياحة والثقافة.. نموذج ملهم في العلا

خلال السنوات الأخيرة، سجلت الثقافة الوطنية بروافدها الإبداعية في الفنون والأنشطة والمهن حضورا قويا في الحراك السياحي في المملكة بمشاريعها واستثمارتها الضخمة برؤى سعودية تضع بصماتها القوية لصناعة سياحة المستقبل، ودخول المواطنين السعوديين من الجنسين في سباق الطموح الوظيفي بالقطاع، من ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإقبال المتزايد على وظائفه، خاصة مع برامج الابتعاث والتدريب والتوظيف في العديد من المجالات السياحية، وفق استراتيجية الاستدامة التي تنفذها وزارة الثقافة برؤية متكاملة، وتعاون مع وزارة الموارد البشرية والجهات ذات الصلة في العديد من برامج التوطين الوظيفي، فانطلقت ثقافة الإبداع في فنون الموسيقى والمعارض والمؤتمرات العالمية المتخصصة التي تحتضنها المملكة، والانخراط باعتزاز في مجالات الخدمات السياحية والفندقية.
أيضا الترويج السياحي للمملكة في الخارج، وتعزيز التواصل مع أرقى الخبرات العالمية في تلك الفنون وعلومها، وترسيخ قيم احترام السائحين، ورفع مستوى الرضا لديهم وخلق الانطباع الأجمل عن ثقافة بلادنا وثرائها وإسهامها الحضاري في التواصل الثقافي مع العالم، وزيادة مستوى التفاهم والاحترام المشترك بين الثقافات، ومن هنا يشهد القطاع تمكينا للمنشآت السياحية والكوادر الوطنية من أداء أدوارها بصورة مميزة، وجذب مشاهير ومؤثرين ومستثمرين دوليين، وتحفيز الفنانين والمثقفين على التعاون بمقترحات وبرامج وفعاليات جاذبة، في الوقت الذي احتضنت فيه الرياض أول مقر إقليمي لمنظمة السياحة العالمية، تقديرا للإنجازات الطموحة للمملكة وجهودها ودورها المتميز في النهوض بالسياحة العالمية ومستقبلها.

تعاون إبداعي

في هذا السياق، وبحضور الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، وقعت الوزارة مؤخرا في العاصمة الكورية سيئول، اتفاقية تعاون إطارية مع (شركة سي جي إي إن إم المحدودة) لإثراء القطاع الثقافي في المملكة، حيث مثّل الوزارة في التوقيع نائب وزير الثقافة حامد بن محمد فايز، وعن الشركة الكورية رئيسها التنفيذي سيونج كانج، وتضمنت الاتفاقية صياغة إطار للتعاون المشترك في قطاعات الأفلام والموسيقى والفعاليات الثقافية، إلى جانب بحث فرص التعاون في مشاريع ثقافية متنوعة، تتضمن أنشطة سينمائية وموسيقية ومراكز ثقافية تقدم عناصر التراث السعودي والكوري في الموسيقى، والفن، والأطعمة، والفنون المسرحية، والتراث، والأفلام، والعمارة.
هذه الاتفاقية وغيرها تأتي ضمن الزيارة الرسمية التي قام بها سمو وزير الثقافة إلى جمهورية كوريا، بهدف تعزيز التعاون مع الجهات الثقافية الكورية، وبحث سبل تطويره وتنميته، وذلك ضمن الجهود التي تقودها الوزارة لترجمة أهدافها في تطوير القطاع الثقافي في المملكة وإثرائه بالتجارب والخبرات العالمية الناجحة في المجالات الثقافية المختلفة، ودعم وتمكين المبدعين السعوديين بمختلف تخصصاتهم، وتوفير خيارات ثقافية نوعية للجمهور السعودي؛ سعياً لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
أيضا اللقاء المهم لسمو وزير الثقافة، مع مؤسس (شركة إس إم إنترتينمت للترفيه) الذي تناول تعزيز التعاون القائم مع الجهات الثقافية الكورية، والتعاونِ المشتركِ في المجالات الثقافية؛ ومنها التعليم والتدريب الموسيقي، وإقامة الفعاليات والمهرجانات الموسيقية، وتطوير الإنتاج الموسيقي المشترك، مما يعكس أهمية هذه المرحلة من الإثراء الثقافي في النهضة السياحية الواعدة، وقد شهد اللقاء من الجانب السعودي نائب وزير الثقافة حامد بن محمد فايز، والمشرف العام على الشؤون الثقافية والعلاقات الدولية بالوزارة راكان بن إبراهيم الطوق، والرئيس التنفيذي المكلف لهيئة الموسيقى سلطان البازعي، والرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المهندس عبدالله آل عياف، والرئيس التنفيذي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي محمد التركي.

نموذج العلا

تظل العلا بثراء كنوزها الموثقة ضمن التراث العالمي باليونسكو، وقفزات حاضرها وشهرة مهرجاناتها؛ نموذجا للحضور الثقافي بالمشهد السياحي في المملكة والعالم، وضمن مواسمها الناجحة هذا العام، شهدت المحافظة فعاليات ثقافية وفنية مبهرة من خلال “مهرجان فنون العلا”، وذلك دعماً من الهيئة الملكية لمحافظة العلا لقطاع الثقافة والفنون بما يتناسب مع رؤيتها الطامحة بأن تكون مكاناً ينحته الفنانون.
فقد احتضن المهرجان بأحد أودية العلا الفريدة العديد من المعارض الفنية كان من أهمها: النسخة الثانية من معرض (صحراء العلا ) وأشار ضمنياً إلى الجمال ووفرة العناصر الطبيعية للحياة من المياه والطبيعة الخضراء في قلب الصحراء، كما أطلقت الهيئة وعلى مدى 11 أسبوعاً برنامج “إقامة العلا الفنية” لتعزيز الحوار والتعاون بين الفنانين وغيرهم من المهتمين بالفنون في المحافظة، وكذلك الخبراء التقنيين العاملين في المجال، لخلق التكامل بين أعمال الفرق التقنية المتنوعة التخصصات، من الجيولوجيا إلى علم الآثار والنبات والهندسة المعمارية.
وتستهدف الهيئة من خلال هذه الفعاليات ، زيادة إطلاع الجمهور والسائحين على المبادرات الفنية التي تعكس أهمية العلا كأحد أهم الوجهات السياحية الفنية العالمية، حيث مواقع التراث والإرث البشري العريق، والطبيعة الملهمة لمزيد من الإبداع الثقافي الفني.
ولتعزيز التواصل مع المهتمين بالقطاع الفني، أطلق قطاع الثقافة والفنون بالهيئة حسابه الرسمي على منصة تويتر، الذي يشكل ذاكرة إبداعية محفزة، وتسليط الضوء على أبرز الأحداث الفنية والثقافية في العلا، ويحوي مرجعا للفنون التي تستضيفها المحافظة، التي تعكس التراث والطبيعة للتصاميم الاستثنائية المستوحاة من العلا وتاريخها.

كعكة السياحة
يشهد قطاع السياحة وثبات قوية، وبحسب وزير السياحة أحمد الخطيب، حققت المملكة أرقاما قياسية في العام الماضي، متوقعا تحقيق أرقام قياسية أقوى خلال العام الجاري، من خلال برنامج طموح ومدروس لإنعاش القطاع السياحي واجتذاب أعداد أكبر من السياح الأجانب، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى إنعاش القطاع بصورة لافتة خلال الفترة المقبلة، كما يتوقع أن يجعل من السعودية واحدة من الوجهات الرئيسة للسياح الراغبين بزيارة منطقة الشرق الأوسط أو الراغبين بالتعرف على الثقافة العربية.
هنا نأتي إلى لغة الأرقام إنجازا وأهدافا، وفي هذا أوضح الوزير “الخطيب”، أن الوزارة تستهدف 12 مليون سائح أجنبي العام الحالي، حيث تسير السياحة على المسار الصحيح للمساهمة بنحو 4% من الناتج الاقتصادي، واستهداف تحقيق 10% بحلول عام 2030 ، لافتا إلى أن الحكومة تقدم الحوافز كجزء من برنامج الاتصال الجوي وتجري محادثات مع شركات الطيران حول الخطة المفتوحة لأي ناقل لتلقي الدعم. في هذا السياق، وقّعت المملكة بالفعل صفقة مع شركة الطيران الوطنية السعودية للسفر إلى زيوريخ وبرشلونة كجزء من البرنامج.
الهدف الطموح في هذا السياق، وفق تصريح وزير السياحة لوكالة “بلومبيرغ” ، هو إنشاء رحلات مباشرة إلى الأسواق العالمية الرئيسية المستهدفة في الخارج ، كما أن إطلاق شركة نقل جديدة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة من شأنه أن “يسد فجوة كبيرة في عدد الخطوط المتجهة إلى المملكة العربية السعودية”.
وهكذا تعزز السياحة التأثير الثقلفي وسبل جودة الحياة ، وتستشرف القادم بكل ثقة وطموح يليق بقدرات الوطن وتاريخه الحضاري ودوره الذي تعززه عبقرية رؤيتها للحاضر والمستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *