هو فنٌ لا يجيده كثير من الناس.. وموهبة لا يوهبها معظم البشر..
فنٌ يعتمد بشكل رئيسي على التوقيت.. كثيرون يفشلون فيه ولا يملكون مهارة التوقيت، واختيار ساعة الصفر..
إنه (فنُ الانسحاب).. نعم الانسحاب من المواقف.. الانسحاب من بعض العلاقات والارتباطات.. الانسحاب من نقاشات (بيزنطية) لن تقودَ إلى نتيجة.. الانسحاب من مهمة ما أو من عمل ما.. من وظيفة معينة.. أو صفقة خاسرة..
وخير مثال على ذلك فنُ توقيتِ التقاعد من الوظيفة.. فالسواد الأعظم من الموظفين لا يصلون إلى التقاعد إلا بقوة النظام، وقليلون مَنْ يُخططون للتقاعد..وما بعد التقاعد..
وأقل القليل منهم يذهب للتقاعدِ قبلَ أن يأتي التقاعدُ إليه..
الانسحاب معظمه موهبة وجُلُهُ سرعة بديهة.. هو مقدرة عقلية غالباً موروثة.. جينات تنتقل من جيل الى آخر.. الانسحاب جرأة في اتخاذ القرار مع شجاعة وتحييد للمجاملة..
إن “فن الانسحاب” فنٌ ينبئ عن شخصية واثقة من نفسها، مجيدةٌ لقدراتها، متمكنة من موهبتها.. شخصية تمتلك قدرةً عاليةً على قراءة المشهدِ والتنبؤِ بالمستقبل وسبرِ مآلات الأمور..
إنـه بحقٍ يشبهُ من يُجيدُ القفز من السفينة بسلامٍ قبل أن يباغتها الغرق في أمواج الحياة المتلاطمة..
ولذلك تجد هذه الفئة من الناس تتخذُ قرار الانسحاب بنفسها قبل أن يتخذه غيرها.. من يجيدُ توقيت قرار الانسحاب يحتفظ لنفسه بنقاط إيجابية كثيرة تعود على شخصيته بمنافع نفسية وحياتية وفكرية ويظلُ مرغوباً فيه في غير ميدان.. كما أن من يجيد هذا الفن يكون غالباً بمنأى عن الخسائر ولحظات التأسف والندم، لأنـه بكل بساطة يُجيدُ “فن الانسحاب”..
إن “فن الانسحاب” يتطلب عدم الالتفات إلى الخسائر الضئيلة التي قد تترتب على قرار “الانسحاب”..
من يتقن “فن الانسحاب” تجِدُهُ يتحلى بقدرة على التأمُّل وتحليل الأمور واستجلائها، واستشراف المستقبل، وعقد موازنات بين قائمة المكاسب المتوقعة وكشف بالمخاطر والخسائر المحتملة، ليتخذ بعد ذلك قرار الانسحاب في الوقت الملائم وعلى نحو يضمنُ له الخروجَ سالماً من الندم سليماً من الأضرار.
وقد يسأل سائلٌ: كيف أُتقِنُ “فن الانسحاب” فيقال له ببساطة أن تكون لك جلسات مستمرة هادئة مع نفسك تطرح فيها جملة أسئلة تجيب عنها بنفسك بكل وضوح وتجرد.. وتسعى لقراءة المستقبل وهل فرص النجاح أكثر أم نقيضتها، وهل حققت الاشباع الذي يجلب لك استقراراً حياتياً.
ogaily_wass@