في استهلال لهذه المقالة من حيث اختيار الموضوع، ومناسبة الوقت لتناوله وأهميته، إذْ يظن البعض أن الكتابة الصحفية، من اسهل الأمور وأنها تأكيد لرغبة ذاتية في الظهور ولفت الأنظار، بينما الأمر مختلف تماما، ومن المؤكد أن أرباب القلم الذين لا زلنا نتزود من تجاربهم الصحفية، أنها غير ذلك بحيث تضع الكاتب في محك التجربة الحقيقية، ومدى المامه بالموضوع الذي يود تناوله، وطريقة طرحه والمحتوى الإعلامي الذي يشتمل عليه، وما نحن أمام أولئك أرباب الكتابة الصحفية، إلاَّ نقاط تناثرت حروفها، أمام تلك الهامات والقمم الأدبية العالية، التي اثرت ساحتنا الثقافية والإعلامية، وكسبت ثقة الرأي العام، وأصبحت تمثل رصيدا تاريخيا، في مسيرة الاعلام السعودي، بكل مكوناته وبنوده ومواثيقه، وأهدافه السامية وفق سياسة الدولة العليا، مما مكَّنه أن ينال حظه من التقدير والاحترام، على المستوى العربي والإسلامي والعالمي.
وعن موضوع المقال اليوم، الموائد الرمضانية، واختلاف المؤرخين عن بدايات هذه الموائد، والتي أجمعت المصادر بأنها تجاوزت بداياتها الألف ومائتين سنه مضت، إذ يعود تاريخ بداياتها، على يد أحمد بن طولون، والي مصر في عهد الدولة العباسية، عام 258هـ، عندما اجتمع في القاهرة بكبار التجار، وطالبهم بإقامة هذه الموائد طيلة شهر رمضان، شفقة بأحوال الفقراء والمساكين وطلاب العلم، ممن هُم بحاجة لمن يقدم لهم هذه الخدمة الإنسانية، في قالب اجتماعي إنساني تتوفر فيه، الحفاظ على كرامة الصائم والمحتاج، ولاسيما أن مدينة القاهرة ضمن المراكز الإسلامية، التي يفد إليها طلاب العلم، من شتى أقطار الأرض، شأنها شأن بلاد الحرمين الشريفين (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وكذلك دمشق وبغداد وبقية المدن والمراكز الإسلامية، ودور العلم في ذلك الوقت.
ومن الطبيعي أن يكون المتغير التاريخي، حاضرا في العصر الراهن، فالمملكة العربية السعودية، وهي تستقطب أنظار العالم أجمع، وعلى وجه الخصوص العالم العربي والإسلامي، وتحديدا في شهر رمضان، ونحن نوشك أن نودعه، بحلول ثلثه الأخير، وهذه الصور والمشاهد الايمانية، من المعتمرين والزوار، وموائد الإفطار التي تمتد في ساحات الحرمين الشريفين، لإفطار الصائمين، في ترتيب وتنظيم بأرقى الأساليب الحضارية، بتوفر نوعية وجودة الأطعمة، التي تقتصر على القليل من حبات التمر، وماء زمزم، والأمل من جهات الاختصاص، وهي القادرة على ذلك، بأن يُكتفى بما يقدم في الجوامع في بقية المدن، على القليل من التمر والماء فقط، بدلا من أطباق الأرز والدجاج وأنواع اللحوم والفاكهة، اقتداء بالسنة النبوية، والالتزام بأدبيات الثقافة الصحية، ومراعاة نظافة الأمكنة.