من المهم اليوم في عصر مواجهة تحديات وإشكاليات التغير المناخي، أن نطرح بعضًا من الأسئلة الفضولية البسيطة أمام الرأي العام، الذي ربما تغيب عنه التفاصيل الديناميكية الوظيفية لصناعة الطاقة؛ من أجل تعميق نظرته لأهمية العلاقة التشابكية بين إنتاج الطاقة والحفاظ على كياننا البيئي، وتأمين مستقبل أجيالنا المقبلة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: هل هناك جدوى حيال ربط صناعة النفط والغاز بالاستدامة البيئية؟ وهل نحن بحاجة فعليًا لهذا الربط؟ ولماذا علينا القيام بذلك؟ وهل يمكن للحلول الرقمية وارتداداتها التكنولوجية تنفيذ هذه المهمة والسؤال الأخير هل تطبيق الاستدامة على هذه الصناعة سيضر بعوائدها الاقتصادية من قريب أو بعيد؟
طرح الأسئلة السابقة لها أهمية بالغة تصل إلى حد تفسيرها بأنها جزء لا يتجزأ من “الأمن البيئي القومي” العالمي، بل أستطيع القول إنها بات جزء لا يتجزأ من صناعة الطاقة على مستوى العالم، وتتربع على طاولات النقاش المتخصصة، وهو ما حدث الشهر الماضي في العاصمة السعودية الرياض التي استضافت مؤتمر IPTC لتقنية البترول في نسخة 2022 بتنظيم العملاقة “أرامكو السعودية” وبمشاركة مايكروسوفت العربية كراعي ذهبي بهدف تبادل الرؤى حول أحدث التطورات والاتجاهات في الصناعة، والتقنيات الحالية والناشئة التي ستشكّل مستقبل قطاع الطاقة، وتحقيق التعافي العالمي من خلال الاعتماد على الطاقة المستدامة، بل أتذكر مشاركتي في إحدى جلسات نقاش هذا المؤتمر المنعقد في يناير 2020 حول “دور الثورة الصناعية الرابعة في تطوير قطاع النفط والغاز”، وهو ما يدل أهمية طروحات هذا المؤتمر الذي يستجلب سنويًا كبار المصنعين والخبراء من كافة دول العالم.
الكل يتفق من أن الطاقة اليوم تعد إحدى أهم الركائز الأساسية التي يتم استخدامها لتحقيق معيار الاستمرارية، بصفتها مصدراً رئيسياً للكثير من بلدان العالم سواًء في صناعة النفط أو الغاز، بل إنها تُمثل مدخلًا ضروريًا لتطور المدنية الحديثة، لذلك تسعى دول العالم قاطبة إلى اتباع نهج شمولي واقعي يدفع للاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية وزيادة النمو الاقتصادي من خلال معالجة الانبعاثات الكربونية، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحقيق تقدم جوهري لمفهوم الاقتصاد الدائري منخفض الانبعاثات ً الكربونية، وهو نظام الحلقة المغلقة الذي يشبه إلى حد كبير ما يحدث في الطبيعة والذي سيكون عونا على استعادة توازن دورة الكربون” بالتزامن مع الرؤية الجريئة للتصدي للتغير المناخي.
تحديات الاستدامة في عصرنا الراهن وبعد جائحة “كوفيد-19” ركن أصيل للحفاظ على كوكب الأرض، وبين الحين والآخر يردني سؤال من دوائر المقربين والأصدقاء: لماذا تركز مايكروسوفت على إزالة الكربون؟، والإجابة حتى نتجنب كارثة مناخية بحلول عام 2050، لذلك على العالم خفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف ثم عليه إزالة الجزء المتبقي منه، هذا هو النهج الذي نتخذه لنحقق هدفنا المتمثل في أن نكون صفر كربون بحلول عام 2030.
نعمل اليوم على بناء تحالفات دائمة ومتينة مع رواد صناعة الطاقة، وتزويد القطاع بإمكانات السحابة الذكية، مما يسهم في تمكين الابتكار وتحقيق الازدهار بصورة لم يسبق لها مثيل، ومن بين تلك التقنيات المستخدمة في قطاع الطاقة “الذكاء الاصطناعي” حيث تعد مايكروسوفت رائدة في هذا المجال، من خلال العمل على تمكين الأعمال وتحقيق أهداف التحول الرقمي، ودوره المحوري في قياس المخاطر المحتملة للمشاريع الجديدة قبل تنفيذها أو علم البيانات، واستخلاص المعلومات وربط البيانات ذات العلاقة لتشكيل الصور الشاملة.
ويُسهم الواقع المعزز في إيجاد بيئات تشبه العالم الحقيقي بينما تساعد الحقيقة الافتراضية في انغماس المشاهد في البيئة الافتراضية، وتستخدم هاتان التقنيتان في قطاع النفط والغاز لتدريب الفنيين لاختبار المهام المعقدة قبل البدء بالتطبيق. وتساعد تقنية الروبوتات والطائرات المسيّرة، في توفير إمكانيات فحص أكثر سلامةً وكفاءة، وتتيح إمكانية الكشف المبكر عن التسرب، وتساند رسم الخرائط الجوية، وأعمال اللحام تحت المياه والمراقبة البيئية، وكذلك فحص الأصول مثل أجهزة الحفر وخطوط الأنابيب البحرية في المواقع التي يصعب الوصول إليها.
باختصار اضطلع قطاع النفط والغاز بدور حيوي في التحول الاقتصادي في العالم، ولكن هذا القطاع على وشك الولوج لحقبة جديدة، حيث يمكن للتحول الرقمي أن يؤدي إلى زيادة في الكفاءة العملية، وسلامة أماكن العمل، والتقليل من الأثر البيئي.
بقلم: عمر صالح
نائب الرئيس لقطاع كبار المؤسسات والشراكات الاستراتيجية في مايكروسوفت العربية