متابعات

التحول الرقمي ودوره في إعادة تشكيل ملامح قطاع الطاقة

وصل قطاع الطاقة اليوم إلى نقطة تحول غير مسبوقة، حيث أدت الوتيرة المتسارعة من التغيير والانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة إلى خلق منظومة جديدة لامركزية وأكثر تعقيداً على مستوى القطاع. وقد أدى ظهور مصادر الطاقة المتجددة والموزعة، سواء كانت محطات توليد الكهرباء من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو طاقة المد والجزر، إلى تغيير المشهد بشكل كبير على مستوى القطاع ولاسيّما في ظل الطلب المتزايد مباشرة من جانب المستهلكين على مصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذي فتح أمام الشركات العاملة في القطاع عالماً جديداً من الفرص لاستكشافها.

وبدوره أدى هذا التحول إلى ثورة في مجال الاعتماد على البيانات، ونتيجة لذلك يجب أن تكون شركات الطاقة أكثر مرونة في اتخاذ قراراتها، وأن تعزز قدرتها على التحرك بشكل استباقي بناءً على المعلومات والبيانات المتوفرة وليس فقط لفهم المواقف أو التطورات والتحرك بعد حدوثها. وتلعب  البيانات الآن دوراً مهماً في تعزيز التحول في نماذج عمل شركات الطاقة التقليدية، بالتزامن مع تسارع وتيرة التحول الرقمي للأعمال الأساسية لمواكبة متطلبات مستقبل القطاع.

تطور مدفوع بالبيانات

في الواقع تعود ثورة البيانات في قطاع الطاقة إلى العديد من العوامل داخل هذه المنظومة الجديدة وسريعة التطور، بما في ذلك نشر المزيد من أجهزة إنترنت الأشياء الصناعية (IIoT)، والحاجة إلى مزيد من الاتصال وتكامل مصادر البيانات الجديدة وغير التقليدية. فعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة على مدار السنوات الماضية في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والمعدات والتقنيات التشغيلية، لا تزال العديد من العمليات في القطاع تتم بطرق تقليدية يدوية كما أنها غير متصلة وأقل فعالية. ونتيجة لذلك، غالباً ما تكون البيانات منعزلة، والآليات التي يتم من خلالها مشاركة البيانات مع الشركاء قديمة ولا تواكب التطورات الجديدة كما أن عمليات المحاكاة التقنية تستغرق مدة طويلة. ونتوقع حدوث زيادة بنحو 100 مرة على الأقل في كمية البيانات خلال السنوات القليلة المقبلة – وربما يكون هذا التقدير متحفظاً. وستساهم إدارة البيانات من مصادر مختلفة إلى إحداث تغييرات ملموسة عبر عمليات الشركات.

وتتطلب القدرة على إدارة العمليات التشغيلية على نطاق واسع والبيانات المرتبطة بها أنظمة دقيقة وفعالة لجمع تلك البيانات وتخزينها وتحليلها بشكل آمن. ولم يعد بإمكان المؤسسات القيام بذلك بالاعتماد على الطرق التقليدية أو جداول البيانات، بل تحتاج إلى أدوات تحليل بيانات متقدمة لمساعدتها على النجاح.

وكانت شركة المرافق الفرنسية العالمية “إنجي” من الشركات التي نجحت بفضل رؤيتها الاستباقية من التكيف والاستجابة بشكل سريع مع تحولات المشهد الجديد وتبني طرق جديدة لتخزين البيانات واستخدامها ومعالجتها للحصول على رؤى متقدمة ومفيدة، حيث تمكنت الشركة من تعزيز مستوى الترابط بين البيانات من خلال إنشاء منصة مشتركة للبيانات، تم إنشاؤها باستخدام بحيرة بيانات موزعة عالمياً وحلول متقدمة للتحليلات. ومنذ إنشاء هذه المنصة، أصبحت عمليات أسطول إنجي من محطات طاقة الرياح ومحطات الطاقة الشمسية والسدود الكهرومائية أكثر كفاءة على نحو ملحوظ.

ومثال آخر شركة “شل” التي كانت أيضاً في طليعة الشركات التي نجحت في تسخير إمكانات البيانات، حيث تمتلك الشركة عدد كبير من علماء الجيولوجيا في جميع أنحاء العالم الذين يعملون على تقييم أفضل الطرق الممكنة للقيام بعمليات الاستكشاف، حيث يحصل هؤلاء العلماء على كميات كبيرة من البيانات من مصادر مختلفة، وقامت الشركة ببناء منصة عالم البيانات الجوفية (SDU)، والتي تحتوي على العديد من قدرات التحليلات وتعلم الآلة التي تساعد علماء الجيولوجيا على تعزيز كفاءة وفعالية عمليات الاستكشاف.

تسريع وتيرة التحول

هناك مسار عملي لتحقيق التحول المطلوب في قطاع الطاقة، كما أن جزء كبير من النجاح في تبني التكنولوجيا يعتمد على عقليات الأشخاص المشاركين في العملية. ويشكل تحديد هدف واضح وشامل من قبل الإدارة التنفيذية والذي يمكنه تشجيع الشركة على التحرك بوتيرة أسرع أحد العناصر الرئيسة التي يمكنها إحداث تغيير إيجابي. وسيساعد الدعم الذي يمكن اكتسابه من خلال التدريب أيضاً على تعزيز انخراط جميع الفرق في رحلة التحول الرقمي، ما يسمح للأفراد بالتعلم وإجراء التجارب بسرعة عندما يتطلب الأمر ذلك. وكل ذلك يشكل جزءاً من عملية الابتكار والتجريب لتمكين مستقبل ناجح.

ولا ينبغي التعامل مع المبادرات الرقمية على أنها مصروفات تشغيلية فقط، فمن المرجح أن يساهم تأثير الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات في تحقيق فوائد أوسع بكثير عبر العديد من العمليات التشغيلية بما في ذلك تعزيز أوجه التعاون مع الجهات الخارجية، وتحسين رؤية سلاسل التوريد، وتقليل وقت توقف عمليات الإنتاج. وعلى الجانب الآخر، عندما تتعامل المؤسسات مع الاستثمار الرقمي على أنه ركيزة استراتيجية لعملياتها على المدى البعيد، فسيمكنها ذلك من تحقيق فوائد طويلة الأجل.

تحويل طموحات المستقبل إلى واقع ملموس

يتمتع قادة قطاع الطاقة الآن بفرصة إرساء أسس متينة، ليس فقط لمواجهة التحديات الفورية، ولكن أيضاً لتعزيز مستويات المرونة والقدرة على تمكين نمو الأعمال والتكيف مع التحولات المستقبلية. وتشكل التكنولوجيا ركيزة أساسية لتحقيق أهداف مثل تنويع الطاقة واستدامة الموارد الطبيعية والوصول إلى الحياد المناخي. ويمكن للتحول الرقمي أن يساعد الشركات على تسخير البيانات وتطبيق التحليلات بشكل فعّال حتى تتمكن من اتخاذ قرارات أعمال أفضل بشكل أسرع. وسيساعد الوصول إلى معلومات أكثر دقة وتحليلات متقدمة والتنبؤ المستند إلى الحقائق في تطوير العمليات وتحسين تجارب العملاء. ومع استمرار تطور قطاع الطاقة، ستلعب تكنولوجيا المعلومات والتقنيات السحابية دوراً حيوياً بشكل متزايد، حيث تعتبر هذه التطورات بمثابة ثورة لبعض المؤسسات، أما بالنسبة لمؤسسات أخرى فما هي إلا شكل من أشكال التحول الرقمي المتسارع.

أرنو فان دين هاك، رئيس وحدة تطوير الأعمال العالمية لقطاع الطاقة في أمازون ويب سيرفيسز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *