مقالي اليوم يعالج قضية مهنية اجتماعية وإنسانية بامتياز .. إنها قضية ولاء المنظمات لموظفيها .. وما دفعني إلى ذلك أيضا .. هو قضية ومعاناة وقلق متقاعدي.. وموظفي الشركات بخصوص استحاقات المكافآت والمزايا وخصوصا العلاج الطبي وطريقة ادارته وتقليص مزاياه وخدماته بعد الخصخصة وما يسمى بالشيكات الذهبية.
بداية سأحكي لكم تجربة مررت بها.. عمل والدي .. رحمة الله عليه .. في شركة تسمى جلاتلي هنكي الهولندية لعشرات السنين .. إلى أن بلغ سن التقاعد وأصبح له راتب تقاعدي قدره 450 ريالا شهريا وبعد سنوات قصيرة أنهت الشركة أعمالها في جدة وغادرت واستمرت في دفع راتب التقاعد لوالدي عبر سفارتها دون انقطاع .. بل اضطر والدي لإجراء عملية جراحية بعد سنين .. وعلمت الشركة بذلك فتولت دفع تكاليف علاجه دون أن يكون ذلك من التزامات الشركة التعاقدية.
وكانت الشركة تبعث كل عام .. مندوبا من السفارة مع علبة حلوى هدية للسلام عليه .. ولكي تطمئن أنه على قيد الحياة .. واستمر هذا الأمر قرابة الاربعين عاما إلى أن توفاه الله .. وعلمت الشركة بوفاته فبعثت مندوبها يعرض علينا المساعدة في هذه الظروف الصعبة.
وللاسف تغير الزمن .. وتغيرت القيم والمفاهيم ونظرة الشركات وقادتها إلى الموظفين باعتبارهم يشكلون عبئا ماليا على المنشأة .. بعكس المفاهيم المعاصرة السوية التي تعتبر الموظفين هم رأس المال الحقيقي لأية منظمة.
ويعتبر الولاء بين المنظمة وموظفيها .. علاقة تبادلية بامتياز .. فمن الطبيعي أن تكون ردة فعل الموظفين من نفس نوعية توجهات الشركة .. فبقدر ماتعطي الشركات ولاءات لموظفيها .. بقدر ما تحصد من ولاءات موظفيها لها.
إلا أنني أزعم .. أن ولاء بعض المنظمات لموظفيها في عصرنا الحالي قد تقلص كثيرا وأصبحت تكتنفه الضبابية والغموض .. لذلك أصبحت ولاءاتهم متنقلة بل ومنقوصة في كثير من الأحوال .. حيث تحولت علاقة الموظف بشركته من علاقة مستمرة وأبدية .. إلى أن أصبحت علاقة عابرة تربطها المصلحة الآنية لكلا الطرفين.
وأرى أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك .. يعود إلى فلسفة واستراتيجيات الشركة في الطريقة التي تتعامل بها مع موظفيها وخصوصا متقاعديها .. الذين آثروا البقاء والعمل في الشركة طوال حياتهم العملية مقابل استمرار حصولهم على تلك الحقوق والمزايا بعد التقاعد.
الشركات المسؤولة تحرص على منح موظفيها مزايا ومكافآت متعددة ومغرية .. مثل الرعاية الصحية وبدلات السكن والمواصلات .. وتعليم الأبناء ومكافآت الأداء وتذاكر سفر الأجازات ووجبات الطعام .. وإنشاء النوادي الاجتماعية والرياضية للتسلية والترفيه والعناية بالبنية الجسمانية للموظف وعائلته .. والتطوير والتدريب ومستقبل وظيفي واعد .. إلى جانب تغذيتهم بالمعلومات الصادقة والعادلة عن مستوى أدائهم الوظيفي .. ولا تجعلهم يعيشون في ضبابية المتغيرات الخ ..
وتجدر الإشارة .. إلى أن بعض الشركات الأمريكية ومنها شركة .. NIKE و IBM .. على سبيل المثال .. انتهجتا أسلوبا فريدا مبدعا في العناية ورعاية موظفيها .. لكسب ولاءاتهم فمنحتهم ميزة علاج العقم وتساعدهم على تحمل تكاليف التبني لو أرادوا .. وكل ذلك من منطلق مفهوم الخدمة الاجتماعية الداخلية .. كما هو الحال بالنسبة لخدمة المجتمع خارجيا.