المبدأ عصب لحياة أية فلسفة أو نظرية أو فرد أو جماعة أو عمل أو مؤسسة أو أي كيان يريد أن يؤسس بنيانه على أرض صلبة، تنبت فيها شجرته الوارفة، تضرب بجذورها في أعماق الأرض، وتشق أغصانها وأوراقها عنان السماء، يقول أ. محمود شاكر: «وعقيدتي أن حقيقة الحياة هي المبدأ والإيمان به، وبغيرهما ينقلب الإنسان آلةً عاملةً لا يعرف الإيجاد والإبداع، والمقاومة، والنزوع العقلي والروحي إلى المعاني السامية والفضائل العلوية، وكذلك يفقد الإنسان الحياة. إن صحة المبدأ وحدها كفيلةٌ بإحداث أعظم الآثار في تاريخ العقل الإنسانيِّ، وأما الإيمان بهذا المبدأ فهو إعطاء العقل قوة التدبير ليُخرج حقائقه وأمانيه إخراجًا عمليًّا في الحياة».
لذا كان على الدبلوماسية الإنسانية – بوصفها عملًا له شأنه وقيمته العليا للبشرية جمعاء – أن تؤطر لها مبادئ عامة تحكم عملها، وتنتظم تحتها القوانين الخاصة بها، وتفسر من خلالها جميع أعمالها، وتنطلق منها في تدشين حملاتها وصياغة توجهاتها من كافة القضايا الإنسانية.
ويمكن أن نلخص المبادئ العامة لمجال الدبلوماسية الإنسانية في النزاهة (تقديم الإعانة وفقًا لشدة الحاجة)، والاستقلالية (الالتزام بمقاومة التدخل في شؤون المنظمات الإنسانية من قبل الخارجين عنها).
لكن نؤكد هنا على حقيقة مهمة، وهي أن كل مبدأ من هذه المبادئ الثلاثة يتعرض لضغوط معينة عندما تسعى المنظمات الإنسانية إلى تنفيذ أنشطتها في الميدان.
فمثلًا تتضح هذه الضغوط على مبدأ النزاهة عندما تتعرض الوكالات الإغاثية في سعيها لتوزيع الإمدادات الإغاثية والمساعدات لمشكلات من أحد طرفي النزاع.
أما مبدأ الاستقلال فإنه يتعرض للخطر عندما تحرم الوكالات الإغاثية من الحرية التي تلزمها للقيام بكل العمليات والمهام، ومراقبة التوزيع، فنجد في بعض الدول مثلًا أن القيود التي يواجهها برنامج الأغذية العالمي والوكالات المرتبطة به تشكل تهديدًا واضحًا ومقلقًا لعنصر الاستقلالية في العمل الإنساني لهذه الوكالات.
وعليه، فلابد للعاملين في مجال الدبلوماسية الإنسانية أن يتنبهوا جيدًا إلى هذه المبادئ، وأن يحرروها من كافة الضغوط التي تخنق روحها حتى تضعفها أو تصل بها إلى مرحلة الغرغرة.
رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.