اجتماعية مقالات الكتاب

لا للاتكالية

هل يعقل أن تظل تابعاً للآخر ، هل يصح أن تظل مختبئاً تحت عباءته ، هل يرضيك أن تبقى في حالة انتظار دائمة لما يقدمه لك هذا الآخر، من حلول وما يوفره لك من احتياجات وما ينوب عنك من مهام وواجبات. هل يرضيك أن تسلم عقلك وارادتك كرهينة في يد المتبوع ، صالحاً كان أم فاسداً؟!.

إن التهرب من المسؤولية وطلب المساعدة المستمرة من الأهل والأقارب والمجتمع ليس حلاً ولن يدوم طويلاً ، فالاعتماد على الغير يقتل الطموح ويلجم القدرات ويغيب النفس عن ميدان المواجهة ، وفي الأمثال الرومانية قالوا ” إن الملابس المستعارة لا تدفئ ” ، وسوف يسألك الشتاء عما فعلته في الصيف”.

نعم إن الاتكالية تخلق انساناً كسولاً يتصنع اللطف ليلقي عليك عبء مهامه من غير تردد ، والاتكالية تفقد الانسان ثقته في نفسه فيلجأ إلى استشارة الآخرين ليتخذوا القرارات عوضاً عنه، والشخصية الاتكالية تفتقر للدافع والشغف ولا تملك المقدرة على اتمام المهام بمفردها، بل كثيراً ما تبحث عن شريك يأخذ بيدها، وهي أيضاً ليست في حالة نفسية سوّية بل غالباً ما ينتابها القلق ويدمرها الاكتئاب. هل من المروءة أن يتكل الابن الذي يمتلئ حيوية على والديه اللذين تقدما في العمر، هل هو سلوك حضاري أن ننثر بقايا فضلاتنا في الشوارع والطرقات وننادي عامل النظافة أن يكنس ما أذيناه، هل من الانصاف أن يتحمل الموظف المجتهد ضغط العمل لوحده دوناً عن باقي زملائه البليدين، هل من الجائز أن نشغل أطفالنا ونتكل على أجورهم في المصروف ؟

أليست المواطنة الحقة أن يأخذ كل فرد دوره ويحافظ على سلامة مجتمعه ويكون هو رجل الأمن الأول ؟ أليس من الأجدى أن نختلق الفرص الاستثمارية ولا نتكل على الوظيفة والعمل الروتيني؟ أليس الاعتماد على الذات فيه سيادة واكتفاء، أليس الاستغناء عن الديون فيه حماية وأمان، أليس التبذير هو استنزاف لموارد البيئة واختلال في التوازن الطبقي بين البشر؟!.

ما أعظم أن نربي أبناءنا على الاستقلالية والاعتماد على النفس في ترتيب شؤونهم الخاصة، أن نقنن ساعات عملهم على الانترنت التي تحد من نشاطهم وتشل حركتهم، أن نصرف عليهم من غير إفراط ولا تفريط، أن نجعلهم ينخرطون في الأعمال التطوعية وخدمة المجتمع، أن نشعرهم بأهمية الوقت وقيمة العمل، أن نوجههم نحو صناعة ألعابهم لا إلى منحهم إياها بالمجان حتى وإن توفرت المادة والامكانيات.
“ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج”.
جبران خليل جبران

bahirahalabi@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *