منذ بدء الخليقة والصراع يبدو أنه طبيعة جبل عليها بنو البشر، حيث نزع فتيل الأزمة بين البشر مع انطلاق شرارة الصراع بين قابيل وهابيل، يوم أن تنافسا على الفوز بامرأة حسناء، وهذا الصراع تعددت أشكاله وأغراضه والطرق المتبعة فيه، ففي بداية الأمر كان الاعتماد في خوض الصراع وإنهائه على القوة الجسدية التي كانت الفيصل بين المتصارعين، حيث يعتمد عليها كل طرف في تحقيق النصر المنشود على الطرف الآخر، وكان تمحور هذا الصراع بدائيًّا، حيث يدور حول حاجات الإنسان الأول التي تبقيه على قيد الحياة، من الحصول على طعام أو مسكن أو صيد أو شراب أو امرأة …إلخ.
ثم بدأ صراع من نوع آخر تطورت فيه الدوافع والوسائل، حيث استخدم الإنسان فيه العقل والذكاء واللصوصية والاحتيال والخديعة والنفاق جنبًا إلى جنب مع القوة لحسم الصراع، فكل حضارة جديدة قامت بتدمير الحضارة السابقة لها، إما بقوة السلاح أو بطرق أخرى مثل إلغاء معالمها من الوجود، كما نشأ أيضا صراع بين الممالك والإمارات، كل منها حاول أو قام بإزاحة الآخر من أمامه ليخلو له وجه البسيطة.
وبعد قيام الدول كما هو ظاهر في وقتنا الحاضر حدث صراع مختلف، صراع داخلي بين أفراد مجتمع بعض الدول وأحزاب يمينية ويسارية، وشركات تجارية متنافسة، ثم صار الصراع بين دول ودول أخرى قوامه المنافسة العلمية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والسيطرة، وهذا من نتائج ما أفرزته الحروب وخصوصًا ما حدث من حروب في القرن العشرين.
فالدبلوماسية الإنسانية في ظل هذا المناخ نشأت، وفي خضم هذه الصراعات ترعرت، وأصبحت شجرة شامخة تلقي بظلالها الوارفة على كل جنبات البسيطة، وأضحت اليد الحانية التي تمسح على رأس كل مظلوم، وتمتد نحو كل ضعيف ومسلوب الحق، لتعطي له أملًا مفقودًا أو على الأقل ميؤوسًا منه في عصر علا فيه بوضوح صوت عجل السامري، وصارت الغلبة فيه لمن يقدر، لا لمن يستحق، ومن هنا نقرر أن الدبلوماسية الإنسانية لم تكن إلا ضرورة فرضها الواقع البشري، والجبلة التي طبع عليها بنو البشر منذ فجر الخليقة حتى يومنا هذا.
رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.