كفل النظام حق التقاضي للجميع لأن القضاء هو السلطة الرئيسية لحماية الحقوق ومنع الظلم والعدوان، والمحافظة على النفس والمال بإقامة العدل ونشر الأمن والأمان والاستقرار في المجتمع، ومع ذلك فهناك استثناءات لا يكون هدف الدعوى الحقيقي هو المطالبة بحقوق مشروعة بل يكون الهدف منها هو الحاق الضرر والأذية للآخرين، مما استوجب تفعيل نظام التكاليف القضائية للحد من الدعاوى الكيدية.
يجمع فقهاء القانون أن إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، إنما تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، وقد عبر عن ذلك الفقيه ابن فرحون في كتابه (تبصرة الحكام) حيث قال (لو ادعى الصعاليك على أهل الفضل دعاوى باطلة وليس لهم من قصد إلا التشهير بهم وإيقافهم أمام القضاء إيلاماً وامتهاناً لا تسمع الدعوى ويؤدب المدعي) ، وقد منح نظام المرافعات الشرعية الصلاحية للقاضي بإحالة المدعي بالكيدية أو من ثبت كذبه إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات النظامية تجاهه، حيث نصت المادة الثالثة: (لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه مصلحة قائمة مشروعة، ان ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها، ولها الحكم على من يثبت عليه ذلك بتعزير)، كما نصت قواعد الحد من آثار الشكاوى والدعاوى الكيدية في المادة الرابعة: (من تقدم بدعوى كيدية خاصة وثبت فيما بعد كذب المدعي فعلى القاضي أن ينظر في تعزيره، وللمدعى عليه المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب هذه الدعوى)، كما توجد عقوبات: (رد الدعوى والمطالبة بتعويض مادي أو تقديم الاعتذار الذي يحدده الشخص المتضرر من الدعوى او الجهة المختصة أو يكون تحديد العقوبة التقديرية المناسبة من قبل القاضي بالتأنيب أو التوبيخ مع تقديم التعهد على عدم تكرار هذا الفعل في المستقبل، أو السجن لمدة متفاوتة حسب تقدير القاضي وفق ما يراه مناسباً).
نواجه في قضايا اثبات الكيدية إشكالية حقيقية بسبب إيقاف الدعوى أو شطبها أو التنازل عنها! لأنه في هذه الحالة قد يعتقد بأن المدعى عليه لم يتضرر ويسقط حقه في المطالبة بالكيدية والمحاسبة بتعزير المدعي والتعويض عن الضرر القائم بالفعل بغض النظر عن النتيجة! وأنا أرى أنه في حالة الشطب والايقاف والتنازل تثبت الكيدية بشكل قاطع، لأن المدعي يمنع ويحرم المدعى عليه من حقه في الدفاع عن نفسه وإظهار براءته من التهمة أو المطالبة الموجهة ضده مما يحتمل استمرار التهمة في حقه! وتظهر المدعي وكأنه المتفضل بالتوقف والتنازل! وهو بذلك يمنع عن نفسه العقوبة في حال الحكم وتحقق الكيدية من قبله.
اطلب التصدي للدعاوى الكيدية وتفعيل المواد التي تحد منها بكل صرامة فحق التقاضي ليس مطلقاً بل هو حق مقيد بتحقيق مصلحة صحيحة ومشروعة ولا يجوز استعماله بهدف النكاية بالخصم أو مضايقته أو الإساءة إلى سمعته، إضافة إلى تحميل من ثبت تعسفه وضرره أتعاب المحاماة ونفقات الدعوى التي تحملها خصمه، مع إلزامه أيضاً بالتعويض العادل عن الأضرار المادية والمعنوية والاجتماعية التي تسبب فيها لخصمه ومن أهمها إساءة السمعة بتشويه صحيفة قيد القضايا في ناجز وسجله الجنائي.
NUJOODQASSIM@
محامية