لم يبعد مفهوم (الدبلوماسية الإنسانية) عن مفهوم (الدبلوماسية) بوجه عام، فهو فرع منه، ونشأ في جنباته، وإذا كانت الدبلوماسية بوجه عام تتناول إدارة العلاقات بين الأفراد والجماعات بشكل إيجابي، ذلك الشكل الذي عبر عنه معاوية بن أبي سفيان بقوله: “لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، إن أرخوها شددتها، وإن شَدُّوها أرخيتها”، أقول: إذا كان ذلك هو مفهوم الدبلوماسية بوجه عام، فإن الدبلوماسية الإنسانية بوجه خاص تتناول الجزء الأهم من إصلاح شأن هذه العلاقات، وهو إصلاح الشأن الإنساني الذي ينبع من الضمير العالمي الحي، والرغبة الداخلية في الإصلاح، والعمل على رأب صدع ما امتدت إليه الأيدي بالخراب والدمار.
لقد عرًّف (شارل كالفو) الدبلوماسية بأنها: علم العلاقات القائمة بين الدول كما تنشأ عن مصالحها المتبادلة وعن مبادئ القانون الدولي، ونصوص المعاهدات والاتفاقات ومعرفة القواعد والتقاليد التي تنشأ، وهي علم العلاقات، أو فن المفاوضات، أو فن القيادة والتوجيه، وعرَّفها (هارولد نيكلسون) بأنها: إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات، أو طريقة معالجة وإدارة هذه العلاقات بواسطة السفراء والممثلين الدبلوماسيين، فهي عمل وفن الدبلوماسيين.
أي أن الدبلوماسية عبارة عن أسلوب منظم لتحقيق المصالح الوطنية اعتمادًا على الاتصال الرسمي بين الدولة والدول والهيئات الأخرى الفاعلة على الساحة الدولية؛ حيث إنَّ جوهرها يعتمد على الحوار والتفاوض وتبادل الرأي. أقول إن هذه التعريفات هي تعريفات لمفهوم الدبلوماسية السياسية، والذي دعاهم إلى إطلاق هذا المفهوم على الدبلوماسية بوجه عام هو المجال الذي نشأ فيه المصطلح منذ البداية وهو مجال السياسة، ثم امتد المصطلح ليشمل مجالات عذة خاصة بالاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلم والتجارة، ومنه العمل الإنساني.
وإذا أردنا أن نقف على مفهوم مصطلح (الدبلوماسية الإنسانية) نجده يقترب إلى حد ما من مفهوم الدبلوماسية بوجه عام، فيمكن النظر إليها على أنها أسلوبٌ منظمٌ لتحقيق المصالح الإنسانية بوجه عام، وقد أصبح هذا المصطلح من المصطلحات المألوفة بين جميع المنظمات الإنسانية التي تعمل في المجال، خصوصًا بعد ما أضحى مقترحًا تقدم به الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر لإقناع قادة الرأي وصانعي القرار بالعمل في جميع الأوقات لصالح الأشخاص الضعفاء، والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية، وقد تم النظر إلى مفهوم الدبلوماسية الإنسانية بوصفه إحدى أدوات القوة الناعمة التي تهدف لحماية حقوق الإنسان، والعمل على نشر القانون الدولي واحترامه بما يعزز الأمن والسلام الدوليين.
ووضوح المفهوم خطوة مهمة جدا في الوصول إلى أهدافه، فالملاحظ على الساحة الآن أن فكرة الدبلوماسية الإنسانية مثيرة للجدل، نظرًا لطبيعتها الدقيقة المتنازع عليها فيما يخص المفهوم ذاته، كما أن التطبيق العملي لها غير واضح؛ لذا يجب اعتماد مفهوم واضح للمصطلح، ولا ننسى أن نسوق بعض التعريفات التي قدمت في هذا الإطار، منها تعريف (لاري مينير، وهازل سميث) للدبلوماسية الإنسانية بأنها تلك الأنشطة التي تقوم بها المنظمات الإنسانية التي تتضمن بذل الجهود لترتيب وجود منظمات إنسانية في بلد معين، والتفاوض بشأن الوصول إلى السكان المدنيين المحتاجين للمساعدة والحماية، مع رصد برامج المساعدة، كما تهدف إلى تعزيز احترام القانون والمعايير الدولية، ودعم السكان الأصليين والمؤسسات، والانخراط في الدعوة على مستويات مختلفة لدعم الأهداف الإنسانية.
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر
عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية
حائز على جائزة التميز العلمي في الدبلوماسية الإنسانية*.