اجتماعية مقالات الكتاب

الصلح خير

في عام 1431هـ وقفت على قضية بين تاجرين يتنازعان على أجرة أحد الفنادق من حيث المدة والمبلغ، وبالرغم من وجود عقد بينهما إلا أن النزاع طال أمده وتشعبت أطرافه حتى اعتاد كلاهما على الحضور إلى المحكمة دون موعد ومحاولة إيجاد أي سبب للحضور، المهم أن يحضرا يومياً إلى المحكمة، وبالرغم من صلابتهما في التعاطي مع بعضهما، ومحاولة كل واحد منهما شيطنة الآخر أمام قاضي الدائرة وموظفيها، إلا أن القضية انتهت بالصلح وخرج كلا الطرفين وهو راضٍ عن الآخر.

الصلح مبدأ سامٍ، وفكرة راقية، صنّفها القرآن الكريم في نطاق الخيرية كما في قوله تعالى (والصلح خير)، وقد عدّها عليه الصلاة والسلام من أبواب الصدقة حين قال: (كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة)، وأنا هنا لا أتكلم عن جانب المُصلح فهو وإن كان دوره محوريا في عملية الصلح إلا أن الحديث ينصّب على المتخاصمين أنفسهم، فهم من بيدهم عقد الصلح وإمضائه من عدمه، ومن بيدهم اختصار الوقت والجهد وعدم قضاء الأيام والليالي بين المحاكم ومكاتب المحامين، الصلح سمة أصحاب العقول الراقية، والنفوس العالية، وحب الخير واجتماع القلوب وعدم افتراقها، بالصلح توأد العداوات، وتُدفن المشاحنات، وتُقتل الخلافات، الصلح في مضمونه ينطوي على العفو عند المقدرة “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، فكم من صاحب حق سعى وراء حقه لسنوات إلا أنه عند وقوفه أمام خصمه في المحكمة لم يستخدم قدرته في الإضرار بغيره، بل استجاب لنداء عقله وأمهل خصمه فترة كافية لقضاء ما عليه، وهذا ما ينبغي عليه العمل في كافة مناحي الحياة، كما أن الصلح يقضي على كثير من القضايا التي تتدفق إلى المحاكم، فكثير من تلك الخلافات تكون نقاط الاتفاق فيها أكثر من نقاط الاختلاف وبالتالي يمكن حلها بالصلح قبل وصولها إلى القضاء، ولذا فقد أحسنت وزارة العدل عندما أنشأت مركز المصالحة وجعلت القضايا –خصوصاً الزوجية منها- تحال إلى هذا المركز قبل تقييدها في المحاكم، وهذا أمر محمود جداً، فالصلح ينبغي أن يكون أول الحلول وليس آخرها تأسياً بكتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

dralsaadlaw@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *