لكل مهنة أنظمتها وقواعدها التي تبين حدودها وضوابطها ونطاق التصرف فيها، كما أن لها أخلاقيات تحتم على من يمتهنها أن يتحلى بها بعيداً عن إلزامية المواد النظامية وغيرها، ومن تلك القواعد التي درجت الأنظمة على إضفائها في موادها ورفع درجة إلزاميتها قاعدة عدم جواز إفشاء السر الوظيفي،
وفي الحقيقة أن السر الوظيفي موضوع كبير جداً لا يمكن بأية حال جمع أطرافه في مقال صحفي، كونه يدخل في غالبية المهن ونصت عليه أكثر الأنظمة الوظيفية، ولكني سأجمل الحديث عن السر الوظيفي للمحامي لكونه أخذ صدى واسعاً خلال الأيام الماضية بين مؤيد ومعارض، وبين من تكلم بعلمٍ ودراية، وآخر بجهل وغواية،
فالسر الوظيفي قبل أن يكون حفظه واجبا نظاميا هو واجب شرعي نص عليه القرآن الكريم في آيات الائتمان وحفظ العهد، أما في النطاق القانوني فالسر الوظيفي في مهنة المحاماة هو كل ما يتصل بعلم المحامي عبر مهنته من خلال القضايا التي يباشرها ويترافع فيها، أو من خلال الاستشارات التي تُعرض عليه، وبالتالي فأية معلومة وصلت إلى علم المحامي بهذه الطرق فإنه ملزم بعدم إفشائها والإفصاح عنها بأية وسيلة كانت سواء شفهية أو عن طريق الكتابة أو الإشارة أو بأية طريقة تؤدي إلى كشف سر العميل، كما أن الوسائل في هذا الصدد ليست محصورة بطرق معينة لا يمكن الخروج عنها، بل هي على سبيل المثال، فكل ما من شأنه الكشف عن أسرار القضايا أو معلوماتها الخاصة فهو داخل في نطاق التجريم المعاقب عليه، وقد نص نظام المحاماة السعودي في مادته الثالثة والعشرين على أنه لا يجوز للمحامي أن يفشي سراً أؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء وكالته،
فمتى حصل المحامي على هذا السر بسبب مهنته فإنه ملزم بكتمانه حتى ولو لم يكن وكيلاً في الخصومة، فبعض الاستشارات القانونية التي تُعرض على المحامين لا تتطلب وجود وكالة بين العميل والمحامي، ولذا فحصوله على هذا السر لا يخوله إفشاؤه والإفصاح عنه أبداً، وسواء حصلت الاستشارة داخل مكتبه الخاص أو في أي مكان عام، فالعبرة بالسر فقط لا بمكان الحصول عليه، وفي الحقيقة أن هذه القواعد من أبجديات مهنة المحاماة التي ينبغي معرفتها وتطبيقها، ولا يمكن بأية حال الدفع بالجهل بها أو الدفع باشتهار السر بحيث يكون من الأمور العامة المنشورة في وسائل التواصل وغيرها، والجميل في هذا الأمر هو متابعة الجهات المختصة لمثل هذه الأمور واستدعاء ومساءلة المتجاوزين رغبةً في حفظ حقوق الأفراد ورفعة لمهنة المحاماة.
dralsaadlaw@gmail.com