رياضة مقالات الكتاب

سقف الرواتب واللعب النظيف

من يقرأ كتاب «تاريخ شعبي لكرة القدم» لمؤلفه الصحافي الفرنسي “ميكايل كورييا”، سيستوعب سريعا قيمة هذه الرياضة ومدى عمقها وتأثيرها في الحضارة الإنسانية لأكثر من قرن. فكرة القدم ليست مجرد لعبة، أو “جلد منفوخ” كما يحلو لبعضنا أن يصفها، فقد كانت لأكثر من قرن من الزمان أداةً قويةً لتحرير العمال والنساء ومناهضة الاستعمار وتسليط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية، ولا زالت حتى اليوم هي الرياضة الأكثر شعبية بين الفقراء حول العالم، بل وتحولت إلى واجهة حضارية لمعظم دول العالم التي تعاملت معها كصناعة قائمة بذاتها.”فأحياناً تصنع هذه الرياضة ماعجزت عنه السياسة”. وقد لخّص مؤلف الكتاب حالها مؤخراً في جملة شهيرة حُملت لافتاتها في معظم ملاعب العالم: «كرة القدم أوجدها الفقراء وسرقها الأغنياء». ويبدو أن المشرّع الرياضي لدينا لا ينتبه بالقدر الكافي للمشهد الرياضي العالمي ومتغيراته المتسارعة؛ كي يواكب حجم التطوير في القوانين واللوائح الدولية التي تحاول إنقاذ اللعبة من سيطرة المال والأغنياء وزحف الرأس المالية نحوها، وكل ذلك لأجل حماية وحفظ “حق المنافسة” للجميع. وقانون اللعب المالي النظيف هو آخر التشريعات التي صدرت في العقد الأخير بهذا الشأن لتُلزم الأندية بسقف مصروفات يوازي مداخيلها وبقوانين شفافية صارمة للإفصاح عن المداخيل والعقود والحد من الثغرات التي تستخدمها بعض الأندية الغنية من خلال عقود الرعاية الوهمية؛ لأجل ضخ المال داخل أنديتهم وحتى لحظة كتابة هذا المقال هناك عشرات القضايا المنظورة التي يتم التحقيق فيها حاليا بشبهة التحايل على قانون اللعب النظيف لأندية عريقة مثل” يوفنتوس وإنتر ميلان ومانشستر سيتي وباريس سان جرمان” وقد تصدر فيها عقوبات مثل تلك التي تعرض لها تشيلسي والسيتي قبل موسمين؛ لذا كان لابد من طرح هذه التساؤلات..

كيف تريدون إلغاء سقف رواتب اللاعبين المحليين؟ قبل أن تفرضوا قانون اللعب النظيف أولاً لتحموا بقية الأندية؟
للأسف من اتخذ هذا القرار لم يفكر في تبعاته جيداً، ولم يقدم آليةً واضحةً لحماية بقية الأندية ذات الدعم الأقل.
فمثل هذا القرار سيقتل عدالة المنافسة وسيتسبب بهجرة اللاعبين من معظم الأندية نحو ناديين فقط، وسيضعف فرص المنافسة للبقية، والنتيجة بطبيعة الحال ستكون خسارة المنافسة للجزء الأكبر من جماهيريتها وزخم مدرجاتها المتمثلة ببقية الأندية.
عزيزي المشرّع.. إنّ المشجع السعودي شغوف بكرة القدم وذو ذائقة مختلفة في تعاطيه مع شغفه بهذه الرياضة. ألا تكفي معاناته المستمرة مع النقل التلفزيوني وابتزاز الناقلين؟

أو لم تلحظوا انخفاض زخم المدرجات في آخر4 مواسم بشكل ملموس ؟
أليس كافيا أن لجان اللعبة ولوائحها لم ترتق بعد حتى تقنع المشجع الرياضي بأن المنافسة محصورة في الملعب فقط؟ إنّ هذا القرار المتسرّع يحتاج إلى وقفة وإعادة نظر. فهناك الكثير على المحك، ولابد من ترتيب الأولويات عندما يتعلق الأمر بإصلاح وتطوير المنظومة الرياضية، فنحن بهذا القرار كمن يضع العربة أمام الحصان. فتطوير عقود اللاعبين وربطها بآدائهم، وزيادة ساعات التدريبات اليومية لتواكب بيئة الأندية المحترفة، وفرض المعايير الصارمة في مواصفات واشتراطات تولي المناصب الإدارية والفنية والقانونية داخل الأندية واللجان أهم بكثير من قرار سقف رواتب اللاعبين الذي يتم تداوله حالياً.
تغريدة:
“لن تكون عادلاً، ما لم تكن إنسانًا أولاً”.
‏@ABAADI2015
‏Abdullah h. Mohmammad

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *