نقف أحيانًا أمام مشروعات حكومية متأخرة أو متعثرة رغم ما رصد لها من اعتمادات مالية كبيرة مما يؤثر على مسيرة التنمية وانطلاقتها. كما نشاهد أحيانا مشروعات غير مطابقة للمواصفات المحددة في بعض جوانبها إهمالاً أو احتيالاً من الشركات والمؤسسات التي تولت التنفيذ بدون اكتراث، بما قد ينجم عن ذلك من آثار سلبية على المدى القريب أو البعيد!
ولا شك أن هناك أسباباً عديدة لحدوث هذا التعطيل والتأخير وسوء التنفيذ..لعل أهمها تسليم المشروعات من الباطن دون الالتزام بالإجراءات المطلوبة والتعليمات المشروطة فالمقاول الأول المصنّف الذي تترسّى عليه المشروعات الكبيرة هدفه الأول سرعة جني المكاسب بصرف النظر عن كل الاعتبارات الأخرى، فنراه يسارع في توقيع عقود من الباطن مع شركات ومؤسسات أقل كفاءة وأضعف إمكانية مع حرصه لضمان نسبة عالية من قيمة العقد الأساسي وربما تودع في حسابه مقدماً..
ليدخل بعدها في منافسات جديدة لاستلام مشروعات أخرى يطرحها أمام الشركات والمؤسسات الصغيرة بذات الطريقة والأسلوب ليكسب عشرات الملايين دون أن يحرك معولاً أو يضرب مسماراً في أي مشروع وإنما بتحريك القلم بالتوقيع على الأوراق فقط. وربما تسلم مشروعات عديدة ومن جهات مختلفة في ذات الوقت .. قد تكون فوق إمكانياتهم بكثير. ولكن طالما الأمر متاح فلا يتردد من دخول المنافسات مع الشركات المماثلة التي تعمل ذات الشيء إلا القليل منها التي تحترم سمعتها وتهتم بواجباتها وتحرص على سلامة أعمالها، أما مقاولو الباطن فمنهم من يسعى لتطوير إمكانياته ويرتقي بمستواه ويعزز مكانته في السوق بالتدقيق في البنود ودراسة الجدوى والحرص على عدم المغامرة في أعمال تفوق الطاقة والملاءة والإمكانيات المتاحة لهم. بينما يندفع آخرون لنقص الخبرة بتوقيع العقود كيفما اتفق فيورطون أنفسهم ميدانياً ويكونون سبباً في التعثر و التأخر للمشروعات التي تسلموها من الباطن، علماً بأنه ليس لهم أدنى عذر عند استلام مستخلصاتهم ومستحقاتهم ولا يقبل لهم أي تبرير.
ولأننا أمام مشكلة قائمة، فمن المهم البحث عن حلول مناسبة: وقد يكون من أول الامور تعديل بعض البنود في العقود التي ربما كانت مدخلاً للتلاعب ولا أقول التساهل وتطبيق مسألة المحاسبة لمن يتولى الإشراف من الجهات الرسمية أو يوقع على استلام مشروعات ليست مطابقة للمواصفات والمقاييس المحددة وتحمّل المسؤوليات كاملة حاضراً ومستقبلاً و إيجاد قوائم سوداء للمقاولين الذين يتسببون في مثل هذه الإشكاليات وخضوعهم للمساءلة، فالمسألة تهمّ الدولة عموما. ومن المهم عدم السّماح بتسجيل شركات بديلة لاحقاً بأسماء أحد من الأقارب من الدرجة الأولى منعاً للتجاوزات وأن تكون مصلحة البلد أولى من مصلحة الأفراد أياً كانوا والتأكد كذلك من الواقع بدقة قبل إعلان الإفلاس الصوري أحياناً لبعض الشركات عند حدوث المشكلات. ومن المناسب دعوة الشركات الصغيرة لتوحيدها في كيانات أكبر لتقوم بالإنجاز بشكل أفضل وقد يكون وجود شركات أجنبية ذات خبرة طويلة وإمكانات كبيرة أمراً مقبولاً لإنجاز البنى التحتية بجودة عالية لأن الفائدة للدولة في الأول والأخير وهذا ما نحتاجه بكل تأكيد بعيداً عن التعثر والتأخير.
alnasser1956@hotmail.com