اجتماعية مقالات الكتاب

نحتاج متشائمين

ذكر لي أحد الزملاء المهتمين بالعلاج النفسي، أنه كان يتابع دكتورة تتحدث دائما عن النظرة الإيجابية للحياة، وصنع التفاؤل، وعدم السماح للأحزان ومقاومتها. العجيب في الأمر أن هذه الدكتورة بعد فترة ارسلت له على الخاص، تشتكي من الكآبة والتشاؤم الذي سيطر عليها منذ عدة أشهر، فلا تكاد تجد للحياة طعما، ولا للأمل بصيصا.

والحقيقة أننا لا ندرك أن الحزن والألم هو جزء من بشريتنا، فالله أوجد فينا برنامج الخوف، والحزن، والقلق، والتوتر، وغيرها من المشاعر لتكون من طبيعتنا، ونحتاجها للعيش في تقلبات الحياة، لكن عندما نحاول مقاومتها أو الهروب ، تزداد معاناتنا أكثر، فالإنسان يستحيل أن يتقدم إن لم يمر بمرحلة الضعف.

إن هناك فرقا بين الألم والمعاناة، فلابد ما دمنا نتنفس الهواء أن نشعر بالألم لكن ليس بالضرورة أن نعاني بشكل يجعل حياتنا تقف، نحن لا نختار الألم بل نختار المعاناة. يقول ديفيد ر. هاوكينز مؤلف كتاب السماح بالرحيل: اسمح برحيل رغبتك في مقاومة الشعور، فالمقاومة هي ما تجعل الشعور يستمر فعندما تتخلى عن المقاومة أو محاولة تغيير الشعور سيختفي وتتبدد الطاقة معه”.

تأمل كم مرة خاف موسى -عليه السلام- في القرآن، وكيف حزن يعقوب على يوسف، وكم ضاق صدر محمد -صلى الله عليه وسلم- من قومه، وماذا أصاب يونس من الهم ، وكم تألم أيوب، أنهم أنبياء ورسل، يوحى إليهم، عبروا عن مشاعرهم وتقبلوا بشريتهم وضعفهم ، ولكن لم ييأسوا، تقول المعالجة النفسية لوري جوتليب:” الحديث عن مشاعرنا هو علامة على القوة “.

فاصلة:
نحتاج متشائمين يتعايشون مع إيقاع الحياة، ويسمحون للمشاعر أن تجد مُتنفّسًا، دون أن تغرق في محيط الإحباط، ولا نحتاج تفاؤلا أجوف أو إيجابية سامّة تقودنا إلى الاصطدام بجدار الواقع فيقتل فينا كل طموح ، إن الاعتدال في التعامل مع المشاعر مطلب، قال عمر بن الخطاب” لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً”.
Faheid2007@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *