المرحلة الجامعية في الغالب تكون هي المحطة الأخيرة للطالب قبل الاندماج في سوق العمل وتسخير معارفه ومعلوماته في سبيل نجاح حياته العملية، وقد يكون طَمُوحاً أكثر فيبادر إلى زيادة هذه المعارف إما عن طريق الدورات التدريبية أو الالتحاق ببرامج الدراسات العليا التي يرى فيها إشباعاً لنهمه العلمي والمعرفي، ولهذا ينظر الطالب إلى هذه المراحل نظرةً متأملةً شغوفةً بأن تكون مرضية له معرفياً على أقل تقدير، حتى يصطدم بواقع مغاير عن المأمول، فلو أمعنا النظر في مقررات القانون في الجامعات نجد أنها فعلاً تلامس حاجات الطلاب وسوق العمل،
كما أنها شاملة لجميع فروع القانون العام والخاص وكل ما يحتاجه طالب القانون، بينما لو نظرنا في مفردات هذه المناهج وما يتخللها من معلومات لوجدناها ملئت حشواً وزبداً ليس له فائدة عملية كبيرة للطالب، فمثلاً في مادة نظام الإجراءات الجزائية يتوقع الطالب أن يخرج من هذا المقرر وهو في تصور كامل لمواد النظام، عالماً بأبرز موادها، وعددها، ولو طلب منه شرح مادة منها لما تردد في ذلك، بينما الواقع غير ذلك، فقد يكون أستاذ المقرر من الجنسية العربية وهو ذو باع طويل في هذه المادة ولكنه لا يستطيع الخروج عما رَسَمه له واضع المفردات، فنجد أن المقرر يتحدث عن عموميات وتعريفات وشروط وأسباب قد لا يحتاجها الطالب في الواقع العملي، ولو سألته بعد ذلك عن حالات التلبس بالجريمة التي أوردها المنظم لما عرفها، والأدهى من ذلك كما ذكر لي أحد أساتذة مادة الدراسات القضائية بأن بعض المراجع المقررة في المنهج يعود إلى عام 1404هـ أي قبل ما يقارب 37 عاماً عندما كانت المحكمة العامة تسمى المحكمة الكبرى والجزائية تسمى المستعجلة، فكيف يدرس الطالب مثل هذه المقررات بهذه الطريقة وهذا الأسلوب دون مراعاة للفارق الزمني وصدور عدد من التنظيمات الجديدة في هذا الصدد، وأرجع السبب في ذلك إلى أن غالبية هذه المقررات والمفردات المنهجية وُضِعت منذ زمن دون أن تتم مراجعتها وتنقيحها وإعادة هيكلتها من جديد، والأنظمة واللوائح في تطور مستمر ولذلك فإن من الأولى على الكليات القانونية في الجامعات إعادة النظر في المناهج، بحيث تُراجع كل خمس سنوات، يتم فيها إعادة مراجعة هذه المفردات والمراجع العلمية، وإعادة تطوير المقررات بحيث يكون الطالب على علم كامل بكل تفاصيل النظام المراد دراسته دون حاجة إلى تطوير هذا الأمر بعد ذلك من خلال الدورات المكلفة مادياً، فطالب القانون كطالب الطب وطالب الهندسة يخرج من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل مباشرة حال توفر الفرص وهو يملك من المعلومات ما يؤهله للإبداع في أي وظيفة.