جدة – عبدالهادي المالكي
تحلية المياه في المملكة تمثل قصة الإرادة وبصمات التحدي على مدى أكثر من تسعة عقود من البناء والتطور لهذا الوطن الطموح ، منذ تأسيسه بقيادة الملك عبد العزيز ، طيب الله ثراه ، حتى هذا العهد الزاهر بقيادة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان ، حفظهما الله.
فمن معاناة شح المياه العذبة ، إلى بدايات توفيرها بالتقطير، وصولا إلى وفرتها من منظومة محطات التحلية وإمدادها لكافة المناطق والمدن ، يسجل التاريخ فصولا مضيئة لهذه الإرادة التي حققت الصدارة السعودية في إنتاج وخبرات صناعة المياه المحلاة عالميا، مثلما هي كافة تفاصيل النهضة الحديثة التي تتوجها طموحات رؤية المملكة 2030 ، لحاضر ومستقبل التنمية العصرية المستدامة.
عرفت المملكة بدايات تحلية المياه عام 1928م، حين أمر الملك عبد العزيز ” رحمه الله “بإنشاء وحدتى تكثيف لتقطير مياه البحر باسم ” الكنداسة ” لإمداد مدينة جدة بالمزيد من مياه الشرب ، ثم أنشئت المراحل الأولى للتحلية فى كل من محافظتى الوجه وضباء الواقعتين على ساحل البحر الأحمر في العام 1389هـ بطاقة انتاجية بلغت 60 ألف جالون ماء يومياً لكل محطة ثم تلتها عام 1390هـ محطة التحلية فى جدة المرحلة الأولى بطاقة إنتاجية قدرها خمسة ملايين جالون ماء يومياً وخمسون ميجاوات كهرباء.
المؤسسة والخطط الطموحة
إمداد المناطق بالمياه المحلاة ، يعني في تفاصيله إنجازات كبيرة ، ابتداء من إنشاء محطات الإنتاج وتكاليفها الكبيرة ، والخبرات المشغلة والصيانة ، وخطوط نقل عملاقة تشق آلاف الكيلومترات ، وقد تواصل التوسع والتطور فى صناعة تحلية المياه المالحة بعد صدور المرسوم الملكى فى 20 / 8 / 1394هـ بإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بصفتها مؤسسة عامة مستقلة لتباشر أعمالها بإنشاء محطات أحادية الغرض لإنتاج المياه المحلاة فقط أو ثنائية الغرض لانتاج الماء والكهرباء.
وتابعت المؤسسة تطورها حتى تضاعف الإنتاج من الماء إلى أكثر من مائة مرة ومن الكهرباء أكثر من ثمانين مرة خلال ثلاثة عقود من الزمن، وأنفقت الدولة عشرات المليارات لإقامة 30 محطة تحلية على البحر الأحمر والخليج العربى.
وفي عام 2006 م ارتفع انتاج المملكة من المياه المحلاة الى أكثر من ( 1070 ) مليون متر مكعب لتجرى المياه أنهارا متدفقة عبر شبكات الأنابيب الضخمة التي تشق الصحراء الى المدن والمراكز فى مختلف المناطق ، لينعم الانسان السعودى بمصدر دائم ومستقر من المياه العذبة دون مشقة أو عناء ، وتجاوز اجمالى الطاقة الكهربائية المولدة من محطات المؤسسة 31.5 مليون ميجاوات / ساعة فيما بلغت الطاقة المتاحة للجهات المستفيدة من الكهرباء من محطات المؤسسة نحو 22.8 مليون ميجاوات / ساعة .
زيادة الإنتاج والخزن الاستراتيجي
وحقق قطاع التحلية من خلال المؤسسة قفزة كبرى من خلال “محطة رأس الخير” لتحلية المياه المالحة وتوليد الطاقة الكهربائية ، حيث تعد أكبر محطة إنتاج مزدوج في العالم، وتعتمد تقنيات توفير الوقود ، لإنتاج 1.025 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميا إضافة لنحو 2,400 ميغاواط من الكهرباء ، وبلغت تكلفتها نحو 25 مليار ريال. وتعتمد المحطة في إنتاج المياه المحلاة على التقطير الوميضي متعدد المراحل وبنسبة 70% من إنتاج المشروع، فيما تنتج تقنية التناضح العكسي الـ 30 % الباقية من إنتاج المشروع.
وحصلت محطة تحلية رأس الخير على شهادة جينيس كأكبر محطة تحلية لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء (مزدوجة الغرض) في العالم.
وبلغة الأرقام والإنجاز أظهرت مؤشرات الأداء القوية ، زيادات محققة في حجم الإنتاج الكلي للمياه المحلاة بلغت نحو 60 مليون متر مكعب يومياً خلال نصف العام الحالي 2021 مقارنة بالنصف الموازي من العام السابق ، ممن خلال المشاريع الجاري تنفيذها حالياً والبالغة 42 مشروعاً تضمنت 7 منظومات إنتاج مياه محلاة، حيث يتوقع أن تضيف هذه المشاريع أكثر من 3.6 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة لمناطق الرياض والشرقية ومكة المكرمة والمنطقة الجنوبية.
كذلك مشاريع أنظمة نقل المياه الجاري تنفيذها على مستوى المملكة البالغ عددها 15 نظاماً ، بإجمالي سعات نقل تصميمية تصل إلى 3.9 ملايين متر مكعب يومياً، إلى جانب مشروعين للخزن الاستراتيجي الجديدة بسعات تصميمية إجمالية تبلغ نحو 3.6 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة.
خطط مستقبلية
ومن خطوات التحول النوعي أيضا لقطاع إنتاج المياه في المملكة، استراتيجية المؤسسة القائمة على استخدام الاقتصاد الدائري، والطاقة المتجددة، والتقنيات صديقة البيئة لخفض الانبعاثات الكربونية بما يصل إلى 33.85 مليون طن بحلول عام 2024.، والاستخدام الأمثل للغاز، وتغيير نوع الوقود، وتطوير كفاءة الاصول ، حيث تهدف المؤسسة إلى تحقيق وفورات تصل الى 51 مليار ريال ضمن مبادرة زيادة الكفاءة والأداء.
وقد حققت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الرقم القياسي لأكبر منشأة لإنتاج مياه البحر المحلاة في العالم، وحصلت على شهادة بذلك من
موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
وتواصل المملكة زيادة الإنتاج لتوفير المياه مع نمو الطلب العالي المتوقع خلال السنوات القادمة ، التي تستهدف خلالها الرؤية زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين ، وكذلك زيادة أعداد السياح وافتتاح المدن الجديدة مثل مدينة نيوم ومشروع البحر الأحمر وغيرها من مشروعات المستقبل الكبرى، التي تعزز من مكانة المملكة الاقتصادية والحضارية ، وتساهم في تعزيز وتنويع الناتج الإجمالي المستدام.
أخيرا وليس آخرا ، تقوم هذه الإنجازات والخطط المستقبلية الطموحة للمؤسسة ، على خبرات وطنية عريقة ومتصلة تشيد بها مؤسسات ومراكز التنمية البشرية العالمية.