قضية

بيزنس تشويه الجمال

البلاد – رانيا الوجيه ـ نجود النهدي ـ حليمة احمد

مع تسابق الرجال والنساء على الجراحات التجميلية بشكل غير مسبوق، وبمختلف الأعمار، يكثر الحديث عن الأخطاء الطبية في هذا المجال، بينما يفضل الضحايا الصمت على الشكوى، فيما يخرج بعضهم إلى وسائل الإعلام للحديث وتوجيه اللوم الى الأطباء المختصين.

وهنا يبرز سؤالان ملحان: هل أصبحت عمليات التجميل تجارة رابحة للأطباء؟ وهل باتت وجاهة اجتماعية لمهووسيها أم أنها احتياج جسدي فعلي وهل عمليات التجميل في أساسها الطبي الصحيح احتياج إضافي للجسد خصوصا أن مثل هذه العمليات يجب ان يخضع لها الراغبون في تصحيح عيب “خلقي أو مكتسب”، أو لمكافحة تغيرات العمر وكبر السن، والحفاظ على ملامح الشباب ، وفي الراهن نجد أن هناك نسبة ليست بسيطة من صغيرات السن يسعين للعمليات والحلول الجراحية كنوع من الموضة لمجرد الوجاهة الاجتماعية، وهنا قد يصبح الإجراء التجميلي غير مفيد، بل ويصل للضرر مستقبلا، لاسيما إذا أجرى الجراحة طبيب غير متخصص، بذريعة التكلفة المادية الزهيدة، حيث أصبحت عمليات التجميل بمثابة “بيزنس لتشويه الجمال” فكم من فتاة خضعت لعملية تجميل وفي النهاية بدأت تعض اصابه الندم. ويحذر مختصون من أن هوس عمليات التجميل طوفان لم يتوقف منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، ومن حقن البوتكس والفيلر إلى التحول في الشكل والملامح، ولكن ما وصل إليه العالم الآن يعد ضربا من الجنون وليس الخيال، فعارضة الأزياء الأوكرانية فاليريا لوكيانوفا أو «باربي البشرية» تحولت عبر 28 عملية إلى شبيهة الدمية باربي بخصرها النحيل وأنفها المدبب وعيونها اللوزية الواسعة.

تروى جيهان عبدالرحمن (عشرون عاما) أنها أجرت عملية تجميل أنف منذ عامين لتحسين مظهرها الخارجي حيث أنها لم تكن تتقبل نفسها بسبب انفها ولكن للأسف لم تنجح العملية وأدت إلى مشاكل صحية وبعد مرور فترة عن العملية الأولى خضعت لعملية أخرى لتفادي تفاقم المشاكل الصحية، وتقول إن العملية الثانية تم الانتهاء منها بنجاح مع استمرار الألم لبضعة أيام ،وبشأن التكلفة تقول ان أسعار العمليات التجميلية مبالغ فيها.

 

عملية فاشلة
وتقول المواطنة « م.ع « ٣٥ عاماً إن عمليات التجميل ليست فقط من أجل أن أكون جميلة ، ولكن كنت متأثرة بمشاهدة التلفاز فكانت نادين نجيم إحدى الوجوه البارزة اللامعة التي كانت لها الدور الأكبر لإثارة هوس عمليات التجميل، مشيرة إلى أنه بالنسبة لها فإن عمليات التجميل ضرورية وخصوصا للمتزوجات؛ حيث يجب أن تظهر المرأة بكامل جمالها أمام زوجها، وأكدت فشل عملية التجميل التي خضعت لها لأنها كانت تريد أن تكون نسخة نادين نجيم وانها ندمت على تغيير ملامحها لأنها أصبحت بشعة ولم تعد تعرف نفسها وتنصح كل الفتيات باختيار العيادات المناسبة وعدم الانجرار وراء العيادات التي يعلن عنها المشاهير.
عمليات صناعية.

ويبدي الدكتور خالد الزهراني استشاري جراحة التجميل ونحت القوام اسفه قائلا : أصبحنا نشهد عمليات تحول اصطناعية، وليست عمليات تجميلية، بمعنى أنها ابتعدت تماما عن مفهوم الجمال، وبدلا من أن تكون تصحيحا لعضو ما لأسباب علاجية وتجميلية، أو تكبير أو تصغير لعضو بحسب رؤى جمالية قياسية، للوصول إلى الرضا عن المظهر العام، أصبح منها ما يشوه الجسم، أو قد يلجأ جراح التجميل بناء على رغبة العميل إلى إزالة أجزاء من الجسم – مثل عدد من الضلوع- على سبيل المثال للوصول إلى خصر نحيل جدا، وهو ما بات شائعا الآن ولجأت إليه العديد من النجمات ومشاهير السوشيال ميديا.

 

مسؤولية نفسية
ويضيف الدكتور الزهراني: أصبح على جراح التجميل مسؤولية نفسية أيضا في التعامل مع المريض، فهناك مرضى لديهم نوع من الاضطراب تجاه مظهرهم وشكل أجسامهم، أو ما يعرف علميا باسم «اضطراب تشوه الجسم»، ويعاني هؤلاء المرضى من حالة عدم رضا عن عضو معين ويركز عليه المريض بشكل دائم، وهو ما نجده في تكرار عمليات الأنف وغيرها، أو تعريض الفك، أو يكون عدم الرضا عاما عن الجسم ككل، لذلك يخرج من عملية إلى أخرى بهدف الوصول إلى شكل يتقبله.

 

عمليات إزالة
وأشار الزهراني أن المفجع الآن هو تحول كثير من الشباب والشابات في الغرب إلى هيئة «الإنيمي» والأشكال الكارتونية، ووصلت إلينا في العالم العربي بعضا منها، خاصة اللجوء إلى إزالة ضلعين أو أربعة للوصول إلى خصر نحيل أو كما يعرف «خصر باربي»، والهدف من هذه العمليات الحصول على جسم يشبه الساعة الرملية. وأكد أن هذه العمليات لها خطورتها على الجسم ووظائف الرئتين تحديدا، حتى الأضلع السفلية التي تتم إزالتها في هذه العمليات لها وظائف لحماية الكُلى والمرارة، كما أن العملية بالإضافة إلي مخاطرها تستغرق وقتا أطول في التعافي، وهي ممنوعة تماما في الولايات المتحدة الأمريكية. وأوضح خبير نحت القوام أنه لا يمكن لأي شخص إزالة الأضلاع، ولكن لابد أن يكون الشخص لديه بنية ضئيلة، فإذا كان لديه دهون زائدة في منطقة الخصر والبطن، فلابد أن يفقد الوزن بشكل طبيعي أو اللجوء إلى شفط الدهون أولا قبل إزالة الأضلاع، وبعد العملية يجب الحفاظ على الوزن المعتدل، كما يحتاج المريض بعد العملية إلى عدد من العمليات لاستعادة شكل الجلد سواء باستخدام الليزر أو غيره. واضاف الزهراني إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وطرق الدعاية والمسميات الرنانة هي من أكثر الوسائل التي تروج لهذه الصرعات، وتقديمها على أنها أيقونات الجمال.

تأثيرات الميديا
ويقول الدكتور محمد الناصر استشاري الجراحة وعمليات التجميل واصلاح الجسم: تزايدت في العشر سنوات الأخيرة الحاجه لعمل عمليات جراحه تجميل للفتيات والشابات بعد خضوعهن لعمليات السمنة من التكميم والتحوير وغيرها والحاجة للتخلص من الترهلات، والبعض يحتاج لعمليات اصلاحية وتقويمية لانحراف الانف او بروز الاذن او تراجع الذقن او الفك، لافتا إلى الشابة احيانا تتأثر بالسوشيال ميديا بشكل مبالغ فيه أو غير منطقي حيث ترغب بعض البنات في أن يصبح شكلها مثل ممثلة او مشهورة معينة وهذا غير مقبول ويعود بالضرر في أغلب الأحيان.
وأضاف العمليات التي تجري في الخارج لرغبه شخصية من الفتاة بدون حاجة لها غالبا تؤدي الى تبعات وتحتاج عمليات تجميل وترميم إصلاحها ، وبعض مواد الحقن الدائم غير المصرح لها والتي يبحث عنها البعض لانخفاض تكلفتها ويتم حقنها من ناس غير اطباء في المنازل او المشاغل تؤدي لالتهابات وتحتاج لا زالتها جراحيا ، والحقن التجميلي الآمن في حال احتاجت له الشابة هو حقن فيلر ماده الهيالورنيك Hyaluronic acid او الحقن الذاتي وهو حقن الدهون.

تجميل الصغيرات
من جانب آخر أوضحت «البندري تركي جان» – أخصائية التجميل والمظهر في العادة الفتاة الصغيرة لا تحتاج اجراء عمليات تجميل الا إذا كانت تعاني من عيب خلقي، أو تشوه، او أثر سابق، او اختلاف بالتناسق يندرج تحت التشوهات والعيوب الخلقية المزعجة للفتاة مما يستدعي تدخلات طبية ولا مانع من العمليات التجميلية إذا كان في حدود المعقول كتعديل حجم الانف وليس الهدف التشبه بالغير. ومن الأفضل مراجعة موضوع العمليات بدقة قبل الخوض فيها لأن ما تم عمله لا يمكن إصلاحه بغض النظر عن الحقن والتجميل السطحي الذي يمكن إزالته وتصحيح أخطائه إن وجد ، لافتة إلى أنه صادف الكثير من العمليات السيئة بين المشهورين في الوسط الفني. واستطردت أن التشوية إذا كان نابعاً عن عمليات التجميل بالعيادة كالحقن وغيرها يمكن تعديله أو إزالة المادة المحقونة، ولكن مع مراعاة الاختيار من البداية ان بعض المواد دائمة ولا يمكن إزالتها إلا بتدخلات جراحية والبعض ولا يمكن إصلاحه فينبغي على السيدة الاستشارة مرات عديدة ومتنوعة والتفكير ملياً قبل الخوض في أي تجميل، ومعرفة أنواع ومسميات المواد التجميلية واختيار العيادات المرخصة.

مقاضاة المتسبب
وفيما يتعلق بحق الضحية في مقاضاة المتسبب تقول المحامية والمحكم التجاري «رباب احمد المعبي»: حرصت الدولة – وفقها الله- على سن الانظمة التي تكفل حفظ حقوق المواطن والمقيم، حيث صدر نظام الممارس الصحي وحدود مسؤولياته وواجباته فإذا تعرض مريض للتقصير فليتقدم بشكوى وستحال شكواه بعد استكمال التحقيقات مع كل من له علاقة إلى الهيئة الصحية الشرعية وعليه تقديم شكواه وفق أسس وعناصر الشكوى ليضمن الحصول على حقه. حيث نصت المادة الخامسة عشرة على أنه يجب على الممارس الصحي أن يجري التشخيص بالعناية اللازمة مستعينا بالوسائل الفنية الملائمة وبمن تستدعي ظروف الحالة الاستعانة بهم من الاخصائيين أو المساعدين وعرف الخطأ الطبي في المادة 27 من النظام أنه: «كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي، وترتب عليه ضرر للمريض؛ يلتزم من ارتكبه وتحدد (الهيئة الصحية الشرعية) مقدار التعويض ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي: كما أن على الممارس الصحي الالتزام ببذل العناية التامة والتي تتفق مـع الأصول العلمية والطبية المتعارف عليها وعند التقصير يكون محلا للمساءلة التأديبية إذا اخل بأحد واجباته المنصوص عليها في نظام مزاولة المهن الصحية، وتختص الهيئة الصحية الشرعية بالنظر في شكاوى الاخطاء الطبية وتحدد الهيئة الصحية الشرعية اثبات الضرر ومن ثم تحديد التعويض. حيث العلاقة بين الطبيب والمستفيد من عملية التجميل تعد علاقة تعاقدية تخضع للأركان العامة التي تقوم عليها المسؤولية الخطأ ، ويحق للمتضرر مطالبة الطبيب المعالج بالتعويض، وتقدم الشكوى ضد الممارس الصحي الذي أخطأ في العلاج أو التشخيص والمطالبة بالتعويض ومن ثم يتم التحقيق معه ويحاكم أمام الهيئة الصحية الشرعية لارتكابه هذا الخطأ الذي أضر بالمريض، وإذا انعقدت مسؤولية الطبيب عن هذا الضرر يتم تعويض المريض أو ذويه أو ورثته في حالة مطالبتهم بالتعويض عن الخطأ الذي تسبب به الطبيب بسبب اهماله أو تقصيره. وهي من حق خاص للمضرور ويستند على المسؤولية التقصيرية، فإن الشخص الذي يعاني من الضرر يحق له المطالبة بالتعويض عن الضرر، (دية، تعويض، ارش). عند ثبوت المسئولية التقصيرية وتقدير قيمة التعويض يعتمد على تقدير الهيئة الصحية الشرعية بعد مناقشة علاقة السببية بين الخطأ المرتكب والضرر الناتج. وفي عمليات التجميل للمتضرر أن يطلب تعويضا نقديا أو إعادة العملية وإزالة الضرر.

توعية المريض
ويقول المحامي دخيل الدخيل: يحق لمن تعرض للتشويه نتيجة عملية تجميل أن يلجأ للقضاء, ففي حال إخلال الطبيب بأحد الالتزامات – من توعية المريض بخطورة النتائج والمضاعفات الجانبية المحتملة, وأخذ موافقة المريض أو ولي أمره, وشرح الوضع العلاجي والجراحي وتكلفته – يحق للمريض أن يقاضيه بسبب التقصير الحاصل له, وذلك حسب ما جاء بالمادة 26 من نظام مزاولة المهنة من أن على الطبيب بذل العناية الخاصة لتحقيق النتيجة, أما لو حدث ضرر للمريض فيحق له رفع قضية على الطبيب بموجب نظام مزاولة المهن الصحية, بعد ثبوت الضرر أمام الهيئة الصحية الشرعية وأن يكون ناتجا عن خطأ الطبيب أو تقصيره في الالتزام بالتعليمات.

 

آثار جانبية
واستطرد المحامي الدخيل : لو قام الطبيب بإجراء عملية لمريض ما بعد أن يكون قد اوضح له الآثار الجانبية وطريقة العملية فإذا كان المريض غير راض عن الشكل النهائي من دون ضرر يقع عليه فهنا لا يحق له رفع قضية على الطبيب لأن التزام الطبيب في النظام هو بذل العناية في هذه الحالة, وليس الوصول إلى النتيجة التي يريدها المريض
وفيما يتعلق بأنظمة تتعامل مع هذه الحالات قال: ترفع الشكوى لدى مديرية الشؤون الصحية ، فتحال إلى الهيئة الصحية الشرعية, المكونة من أطباء وقاض وتعتمد جلسات ويصدر فيها حكم, يمكن الاعتراض عليه من المدعي أو المدعى عليه لدى الجهات القضائية المختصة. وأضاف يوجد عدة حالات لجأت إلي، وبدوري قمت بالتوجه الى الجهات القضائية المختصة ، وقامت الهيئة الصحية الشرعية التابعة لوزارة الصحة بتقدير الضرر الذي لحق المتضرر من خلال الظروف التي صاحبت المتضرر، وتم الحكم لصالح المريض بالتعويض المالي؛ لأن التعويض في الضرر المعنوي يقاس بمقدار ما لحق المركز الاجتماعي للمتضرر أو سمعته، فالتشويه الذي يلحق بوجه المتضرر – مثلا- يعتبر من الأخطاء الجسيمة التي يأخذها القاضي بالاعتبار، بخلاف لو كان الضرر وقع في عضو آخر في جسد المتضرر، فالأضرار الظاهرة في جسد المريض تنعكس سلباً على شعوره وإحساسه ومركزه الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *