اجتماعية مقالات الكتاب

التجريم المقنّن

كفلت الشريعة الإسلامية حريات الأفراد وحقوقهم، وأحاطت ذلك بضمانات كافية بُغية حمايتها وصيانتها من كل من يحاول المساس بها، ولأن النظام الأساسي للحكم في المملكة يستند على مبادئ الشريعة وروحها فقد نص على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، ولذا فلا يجوز لكائن من كان الاعتداء على حياة الناس الخاصة سواء كان ذلك اعتداء جسدياً أو مالياً أو معنوياً، وترتيباً على ذلك فقد قامت الدولة أيّدها الله باستصدار أنظمة عقابية واضحة تحمي بها حريات الناس وحقوقهم،

وكذلك تجرّم الأفعال الواقعة في نطاقها بما يتناسب مع طبيعة الجريمة والجاني، ولأننا كمختصين في القانون يتحتم علينا مواكبة الأحداث ذات الصلة بالواقع المعاش، فمن الواجب علينا إبداء الرأي القانوني الصحيح فيما يخص الأحداث التي تتطلب رأياً قانونياً محايداً، ومن ذلك القرار الذي اتخذته وزارة التعليم بخصوص إدخال أجهزة الجوال إلى المدارس ومن ثم إلغاؤه ومنع ذلك، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن هذا القرار وإلغائه فقد صدر ومُنِع من مختصين وتربويين وهم أهل لذلك وأعلم بالمصلحة العامة خلف هذا القرار، ولكن الحديث حول ما إذا وقعت مخالفة داخل الجهات التعليمية يكون محورها أجهزة الجوال، وقد دارت في الأيام الماضية مناقشات طويلة في مواقع التواصل بخصوص هذا الأمر،

فبعضهم ذهب إلى أن تجريم تصوير الطلاب والمعلمين والمعلمات هو توسع مبالغ فيه يناقض مبادئ القانون الجنائي، وذهب البعض الآخر إلى أن هذه جرائم مكتملة الأركان إذا انطوت على انتهاك للحياة الخاصة وتشهير بالمجني عليه، وبين هذا وذلك أقول إن المنظم عندما وضع نظام الجرائم المعلوماتية أراد بذلك حماية الأمن المعلوماتي وحفظ الحقوق العامة وحماية الأفراد من التجاوزات التي تكون بحقهم سواء بالتشهير بهم أو بانتهاك حياتهم الخاصة وتصويرها ونشرها في مواقع التواصل أو الشبكة المعلوماتية، فقد نص النظام على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يقوم بالمساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها، وكذلك التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. فهذا نص نظامي واضح لا يحتاج إلى تأويل وتفسير حسب الأهواء، فإذا كان التوسع في التجريم مخالفاً لمبادئ القانون الجنائي وروحه، فإن معاقبة الجاني في هذه الحالات هو جوهر القانون وروحه، فالتجريم هنا مقنن وواضح ولا يحتاج إلى آراء تنزع عنه هذه الصفة وتتيح للجاني العبث في حياة الناس والتشهير بهم بعذر عدم الرغبة في التوسع في تجريم الأفعال، ولكون إقرار إدخال أجهزة الجوالات إلى المدارس كان بسبب الجائحة والرغبة في معرفة الحالة الصحية للطلاب والطالبات فإن المقصود قد حصل بذلك وانتفت الحاجة إليها، ولكي تتم المحافظة على سير العملية التعليمية وعدم الانشغال بأمور جانبية يكون ضحيتها الطلاب والطالبات في المقام الأول ثم أعضاء السلك التعليمي، وحرصاً على خصوصية بناتنا الطالبات وأخواتنا المعلمات صدر قرار وزير التعليم بإلغاء قرار إدخال الجوالات إلى المدارس، وفي هذا دلالة واضحة على قرب الوزير من المعلمين والمعلمات ومعرفة احتياجاتهم وسماع آرائهم في كل ما يطور بيئة التعليم للأفضل ويحسّن من جودتها ومخرجاتها.

dralsaadlaw@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *