لا يخلو منزل من المنازل من منطقة يخزّن فيها القديم من الأشياء وبعض الأغراض التي لا تستخدم كثيراً، ولكل بلد مسمى لتلك المنطقة.. كالخزين أو السقيفة أو القبو أو الصندرة أو حتى بيت الدرج، وهناك أيام تتخلّل العام يكون لزاماً على ربة المنزل المرور على تلك الزاوية لنفض ما بها من غبار، وترتيبها من جديد، وإخراج ما لم يعد مهماً وجوده، هذا بشكل عام.. أما بشكل خاص فوالدتي تحمل في هذا المخزن كنزين، تحافظ عليهما وتحسن حراستهما جيداً، أحدهما موجود داخل حقيبة قديمة صعب حملها، والآخر داخل صندوق ورقي.. تلك الحقيبة كانت بمثابة تهديد عظيم لكل من له صلة من قريب أو بعيد بها، فالكثير من أولئك المهدَدون لديهم أمنية واحدة، وهي أن يصيب تلك الحقيبة أي نوع من التلف إما بحريق أو عاصفة مطرية لا تبقي أثراً لما بداخلها.
قد يعتقد البعض أن هذا التهديد ناتج عن منشورات أو اعترافات قد تودي بصاحبها..! إنما الأمر مختلف تماماً، فالحقيبة تحوي مجموعة من الألبومات لصور تعود لما يزيد عن ستين عاما، ولكم أن تتخيلوا ما كانت عليه الموضة في الأزياء وتسريحات الشعر وصيحات الماكياج، وهنا يكمن التهديد والذي قد يصل للابتزاز العاطفي لكل من تصل بين يديه صورة من تلك الصور، خاصة لو كان له ثأر قديم مع من في داخل الصورة. في كل مرة عندما نجتمع ونُحضر هذه الحقيبة.. تغشانا حالة من السعادة والضحك تتخللها تعليقات ساخرة نتبادلها على أصحاب الصور الموجودين في قلب الحدث، ثم تعود بنا الذكريات الجميلة منها والحزينة أيضاً عندما تظهر لنا صورة فارقنا صاحبها.
ولأن أمي الحبيبة من هواة التصوير منذ الصغر .. احتفظت بذلك الكنز بعيداً عن أيدي الجميع، حتى لا تسول لأحدهم نفسه في الحصول على بعض منها، ولم تكتف بالحقيبة التي تحمل صوراً صماء، بل احتفظت بصندوق يحوي مجموعة من الفيديوهات المرئية حتى تكتمل الذكرى والتوثيق فمن كان لديه اعتراض على صورته في الحقيبة.. تظهره ست الحبايب بالصوت والصورة فأين المفر، ما يجعلنا نحتفظ بتلك الزوايا هو رغبتنا في الإبقاء على أطياف ذكرى مرت بنا ولم يتبق منها إلا الصورة، تلك الصورة التي تعيد شريط الأحداث منذ البداية.
tsfhsa@yahoo.com