متابعات

الحكومة الإلكترونية .. قلصت مهام العمد

جدة – عبد الهادي المالكي

ثمة أسئلة تسطع في الذاكرة فيما إذا كان انتهى زمن العمدة أم مازالت الحاجة إليه ماسة وضرورية وهل طرأت تغييرات على مهامه مع التطورات التي لحقت بحياة الناس واحتياجاتهم وما يتطلعون إليه من خدمات، وقبل التطور التقني كان للعمدة على مستوى المملكة دور بارز لكن الكثير من الناس في الوقت الراهن يخشون أن تطوى مهنة العمودية في صفحة النسيان مالم يتم تدارك الوضع وتفعيل دورها من جديد من خلال توظيف التقنية لتسهيل مهمتها على أكمل وجه حيث أن تلك التقنية الحديثة والرقمنة والحكومة الإلكترونية قلصت مهامه.

وفي الماضي كان عمدة الحي يجلس على أريكة مصنوعة من الخشب تتوسط مجموعة أخرى من الأرائك فيما يسمى بـ “المركاز” وهو الموقع الشهير الذي يتوسط الحارات الشعبية العتيقة في الأحياء ، وكان يعرف كل سكان الحي، والكل يهابه، يشارك الناس في أفراحهم ويواسيهم في الأحزان، يخدمهم وييسر ما يقف أمامهم من عثرات، حيث كان يشكل ركيزة في إنهاء شؤون المواطنين داخل الحي ،ومن المهام الإدارية للعمدة في الماضي توقيع الوثائق والمشاهد، وإصدار التعاريف، وما يقع في حكمها. الاحتفاظ بسجلات عن سكان الحي وحركة تنقلاتهم. تدوين ما يصدر عنه من وثائق في سجلات لديه يمكن الرجوع إليها عند الحاجة ،الاهتمام بالأمور التي تقع في دائرة اختصاصه من جرائم وحوادث وتصرفات مشبوهة، وتبليغ الجهات المختصة بها فوراً والتحري عن مجهولي الهوية والموجودين بصفة غير نظامية، ومعرفة أماكن إقامتهم والجهات التي تؤويهم أو تساعدهم، والإبلاغ عنهم.

ويرى عدد من المختصين أن من اهم أسباب ضعف دور العمدة يتمثل في أن التقنية الإلكترونية سحبت منهم جميع الصلاحيات إذ تحولت المعاملات إلى مسارات الحكومة الإلكترونية ، فضلا عن إحجام أبناء الحي للتقدم لمنصب العمودية ما يجعل المنصب شاغرا ، خصوصا وأن أي حي إذا مضت ثلاث سنوات دون ان يتقدم واحد من سكانه لشغل منصب العمدة فإن ذلك يحفز أحد المواطنين من حي آخر لترشيح نفسه عمدة لحي لا يعرف فيه أحداً ولا يدري عنه شيئا، كما أن عدم وجود علاوات أو ترقيات للعمد لا تجعل المنصب يشد الانتباه ، بالإضافة الى ذلك أن بعض مواقع العمد عبارة عن مكاتب جاهزة متنقلة توضع بجوار المساجد.


وفي هذا الصدد اوضح الاخصائي الاجتماعي ربيع العمودي أن العمدة كلمة تحمل معنى الكبير أو الخبير أو المسؤول وغيرها من المعاني ومما لا شك فيه انه كان للعمدة في الماضي دور بارز في تفقد أحوال سكان الحي، كما كان بمثابة المرجع عند الاحتياج سواء لمعالملات المصالح الحكوميه أو حتى المصالح الاسرية، وحل المشكلات التي تقع بين أفراد الأسرة الواحدة ، فضلا عن مساعدة أهل الحي في التكيف الاجتماعي ، غير أن دور العمدة في الراهن تلاشى. ومن أسباب تقلص دور العمد توسع العمران وكثرة الاحياء وتنوعها ودخول الوافدين وخاصة المتخلفين، ومن الحلول التي ستعين العمدة للعودة وبقوة هو تفعيل دوره رسميا بربطه في شؤون حكوميه أو عمرانية مثل الصكوك أو معاملات المحاكم وكذلك إعداد آليات جديدة للعمد وتطوير مهامهم الوظيفية لمواكبة رؤية 2030 وتحقيق أهم عناصرها في جودة الحياة في الأسرة ومن ثم الحي ومن ثم المجتمع.

حل المشكلات
وقالت المستشارة النفسية والأسرية الدكتورة زهرة المعبي لقد كان للعمدة في الماضي هيبة في الحي الذي فيه وعندما كنا صغاراً كنا نهابه ونحسب له ألف حساب وعندما تسمع اسم العمد كأنك تسمع اسم الشرطة حيث كان عندما يأتي مندوب العمدة ويطرق باب احد ليبلغه بأن العمدة يريده كان اهل الحارة بأكملها يخافون ويتساءلون عن ماذا فعل هذا الشخص ليطلبه العمدة لأنه كان يمثل كل شيء في الحي فهو ” القاضي والمصلح الاجتماعي ” حيث كان يقوم بحل المشاكلات بين الاسر وخاصة بين الأزواج وكانت كلمته مسموعة وله احترام خاص بين السكان، كما انه كان يعرف كل قضية تحدث في الحارة وكان يسعى في عمل الخير مثل توزيع الصدقات من قبل ميسوري الحال، حيث كان يعرف الأسر المحتاجة والارامل والمطلقات والاربطة وكان يستقبل “الدايات” اللاتي يأتين ويبشرن بمولود لأحد سكان الحي حيث يقوم بتسجيله في سجل يوجد لديه للمواليد في الحي ويستخرجون لهم شهادات يطلق عليها شهادة تسنين ، كما كان العمدة يقوم بزياة المرضى.
وفي قديم الزمان يقال إنه كان يوجد مع العمدة عسكري يرافقه في تفقده للحي ويتواجد معه بالمكتب. اما في الوقت الحالي فقد تم سحب صلاحيات كثيرة من العمدة عبر التقنيات الحديثة لذا فقد اقتصرت مهامه في الراهن على تمثيل الحي لدى المجلس البلدي ، وبالنسبة للاحياء الشعبية في الغالب ، فإنها أصبحت تعج بالوافدين والذين لا يعرفون دور ومهام عمدة الحي ،لذلك يجب إعادة جميع الصلاحيات السابقة للعمدة ، وبهذه الطريقة يعود العمدة إلى مهامه السابقة المتمثلة في خدمة أفراد الحي والتفاني في متابعة مصالحهم، الإنسانية والاجتماعية.

حلقة وصل
وقال احمد العمري كان العمدة هو حافظ أسرار الحي وكان يعرف العوائل الغنية والفقيرة والأرامل والأيتام وكان يجتمع بأهل الحي جمعتين في الشهر لمناقشة أمور الحي وحل المشاكل بين الجيران وابنائهم، وكان بمثابة حلقة الوصل بين الأسر المتعففة والجمعيات الخيرية ومساعدتهم في مواسم رمضان والأعياد وغيرها، كما كان بمثابة المجهر لكل شاردة وواردة في الحي ، كما كان العمدة يجتمع في أيام عيد الفطر مع اهل الحي ، في افطار جماعي ويسأل عن الغائبين وتفقدهم صباح العيد.
وزيارة المرضى منهم ومعايدتهم في بيوتهم، ومن وجهة نظري أرى ان عودة العمدة والإسراع في تخصيص وتطوير مكاتب العمد وتزويدها بكادر إداري يساعد العمدة على القيام بعمله ، إذن لا بد من تحديث أداء العمد الحالي بما يتوافق مع التقنية الحديثة وتزويد مكاتب العمد في الأحياء السكنية بالأجهزة التقنية الحديثة وتعزيز وسائل التعاون بين العمد ومؤسسات المجتمع المدني.

دور العمدة قديما

استطاع العمدة عبر حقب زمنية مختلفة في تاريخ محافظة جدة أن يفرض نفسه كأحد أفراد الأسرة عبر حضوره في مختلف المناسبات، وتفاعله النشط مع سكان الحي، بل أصبح على قائمة المرافقين لوالد أي شاب يتقدم لخطبة فتاة، إذ يمثل للخاطب تزكية كبيرة أمام ولي أمر العروس.
كما أنه كان الناس في الماضي يحتكمون إلى العمدة في حال وقوع الخلافات الأسرية, إذ أن دوره كان حيوياً ويخفف على المحاكم الشرعية والقطاعات الأمنية المطالبات والشكاوى التي كان الكثير منها ينتهي عند سدة منزله في الحي دون تحويلها للمحاكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *