الاهتمام بالصحة النفسية أمر غاية في الأهمية..للعلاقة الكبيرة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية وسائر شؤون الحياة العامة، وقد كشفت بعض الدراسات أن نسبة انتشار السلوك الاجتماعي والمشكلات النفسية في مجتمعنا السعودي مشابهة لنسب انتشار هذه الأمراض في المجتمعات الأخرى ومنها: الشكاوى الجسمية والقلق والاكتئاب والوسواس القهري وقلق الخوف والنشاط الزائد…
وللأمراض النفسية سبب أو أسباب متعددة في الغالب، منها ما يتعلق بالنواحي الوراثية ومنها ما يتصل بالحالة الصحية الراهنة وبالحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحالة المزاجية، ورغم أن الحالة الوراثية هي من مسببات نشوء بعض الحالات إلا أن العوامل الخارجية المحيطة تؤثر بشكل أكبر في ارتفاع عدد الحالات وزيادة حدتها، حيث أن الأسرة والمجتمع يلعبان الدور الاساسي في تحسن الحالات أو ترديها!
ولا شك أن إهمال الحالات النفسية أياً كان نوعها يؤدي إلى تفاقمها وهنا يكون الخطر عندما يصل المريض النفسي إلى مرحلة متأخرة الأمر الذي يؤدي إلى حدوث المشكلات العديدة. ولعل أحد أهم الأسباب إدمان بعضهم للمخدرات إلى جانب الضغوط الحياتية ورغم هذا الواقع المؤسف إلّا أن التعامل مع المرضى النفسيين فيه نوع من الإهمال من أغلب الأطراف ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة وفي مقدمتها المريض ذاته ومن بعده الأسرة ثم المجتمع وأخيراً الجهات الأخرى، فالمريض لا يعترف بمرضه ويحاول إخفاء بعض الأعراض!
ومعظم الأسر السعودية تتحرّج من عرض أبنائها على المختصين النفسيين وتستسهل الموضوع إلى أن ينتهي الأمر إلى مشكلات أكثر خطورة، كما أن هناك فئات من المجتمع لا تراعي حقوق المرضى النفسيين ولا تحسن التعامل معهم، وربما كانوا سبباً إضافيا في تعميق الحالات. كما أن النقص في وجود المختصين النفسيين وكذلك قلة عدد الأسرة في المستشفيات النفسية يساهم أيضاً في استمرار المعاناة وتفاقم الحالات..التي ربما تطوّرت بشكل إرادي أو لا إرادي إلى مشكلات اجتماعية وإجرامية! وأولها إيذاء النفس، ولعل تزايد حالات الانتحار عما كانت عليه سابقاً تمثل شاهداً على الواقع، كذلك استهداف أفراد الأسرة بحكم قربهم من المريض بتأثير تخيلاتهم وكثيراً ما سمعنا عن الحوادث الأليمة التي تعرّض لها بعض الآباء والأمهات والزوجات والأطفال والأخوة.
ولأن إهمال العلاج يعرّضهم أو بعضهم إلى الهروب من المنازل فقد يكونون مصدر خطر أكبر على أفراد المجتمع سواء بفعل ذاتي أو باستغلالهم من أشخاص وتنظيمات تدفع بهم لارتكاب أعمال إجرامية أو إرهابية، والمتأمل لحالات بعض الذين انتموا للجماعات الإرهابية يجد أن أكثرهم غير أسوياء، وكانوا يعانون من اعتلالات نفسية متعددة وصل بهم الحال إلى هذا المستوى الخطير الذي يفترض التنبّه له وتدارك خطورته والاهتمام بمعالجة أسبابه، وقد يكون من المهم أيضاً التركيز على الجانب الوقائي من أجل ضمان الصحة النفسية السليمة لجميع أفراد المجتمع.