قضية

الصيدليات والمستودعات تخضع لرقابة صارمة

جدة – عبدالهادي المالكي – مها العواودة

يعاني بعض المرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، وحتى بعض من يستخدمون أدوية عادية لأمراض بسيطة من اختفاء العقاقير الطبية التي يحتاجونها من الصيدليات، وبعد الاختفاء بمدة، سرعان ما تعود الأدوية إلى أرفف الصيدليات، ولكن بسعر أعلى من السابق، ما يجعل الأسئلة تدور حول أسباب هذا الاختفاء وارتفاع سعر الأدوية بعد عودتها مرة أخرى إلى الصيدليات.
وفي الوقت الذي أكدت الهيئة العامة للغذاء والدواء أنه لا يمكن تغيير أسعار الدواء إلا بالرجوع إليها؛ لأن هناك رقابة صارمة من قبلها، بحيث لا يتم التصرف بأي مستحضر إلا بعد موافقة الهيئة بعد التأكد من مطابقته للشروط والمواصفات المعتمدة له، ومنها السعر المطبوع على العبوة أو الباركود. بحيث لا يمكن تعديله، أو وضع ملصق خارجي عليه إلا بعد موافقة الهيئة، غير أن ثمة مواطنين أكدوا أن بعض الأدوية تختفي من الصيدليات، وبعد فترة تعود بأسعار مرتفعة.. فأين الحقيقة؟
يقول أحد المواطنين، وهو من الذين يستخدمون قطرة مرطبة للعين «كانفورت» إن هذا النوع من القطرة يختفي من الصيدليات الخاصة، وحتى على مستوى صيدليات وزارة الصحة، متسائلا عن سبب هذا الاختفاء، وما إذا كان له علاقة بسحب أدوية من السوق، ثم إعادة طرحها بأسعار أعلى.


وقالت مواطنة: والدتي قبل فترة ذهبت تبحث عن دواء مسكن « سوبادين فوار» ولم تجده حتى في المراكز الصحية، وسألت عنه، ولم تجده، وبعد محاولات من البحث وجدت أحد الأطباء الذي استطاع إحضار علبة واحدة فقط، ولم يجد غيرها. ويعتبر الدواء مهما لأنه دواء مسكن للآلام والصداع وخاصة لكبار السن.
وقال مواطن آخر: إن بعض الأدوية التي يقررها الطبيب بخط يده على الوصفة نفاجأ بأن الصيدلاني يفيدك بنفادها ويحاول إقناعك بمنحك البديل المصنع من شركة أخرى، وفي بعض الأحيان أعود للطبيب نفسه، فيصر على أن آخذ نفس الدواء المسجل، ويفيدني بأن الذي ذكره لي الصيدلي لا يكون مفعوله بنفس مفعول المكتوب في الوصفة من قبل الطبيب.
الدكتور منصور إبراهيم سليمان عميد سابق لكلية الصيدلة في جامعة الحدود الشمالية، قال: فعلا هناك شكوى من انقطاع بعض الأدوية الهامة لأمراض مزمنة، الأمر الذي لم يسبق أن حدث في المملكة، لافتا إلى أن الأدوية سلعة استراتيجية هامة تمر بعدة مراحل قبل أن تصل إلى المريض أو المستهلك؛ حيث تبدأ بالتصنيع المحلي، أو الخارجي مرورا بالمنافذ إلى أن تصل للوكلاء، ومن ثم الفسح من هيئة الغذاء والدواء إلى نقاط التوزيع، أو الصيدليات، وأن أي خلل في أي نقطة يؤدي إلى نقص الدواء في السوق.

خلاف الوكلاء والهيئة
واستطرد الدكتور إبراهيم بقوله: شخصيا يبدو لي أن المشكلة تتركز في محور الوكلاء مع هيئة الغذاء والدواء. أشعر أن هناك تجاذبا فيما بينهما، فالهيئة أخذت من وزارة الصحة صلاحيات شؤون الدواء من فسح وتسعير حديثا بعد عقود من التزام وزارة الصحة بها. يبدو أن الهيئة لم تكن على أتم الاستعداد لهذه المهمة الثقيلة، فكلفت كوادر شابة للقيام بالعمل فتكونت فجوة في القدرة على التفاوض مع الوكلاء، متزامنة مع تغيير وفرض أنظمة بصورة سريعة. الوكلاء أقوياء جداً وهم أصحاب خبرة كبيرة في التعامل مع الأجهزة المعنية بالفسح والتسعير والضغط عليها من خلال التقليل، أو وقف طرح بعض الأدوية، وبذلك تضع الهيئة في مواجهة المستهلك والكادر الطبي. ربما يكون الحل في إعطاء فرصة للمخضرمين في الهيئة ومن خارجها لإعادة النظر في بعض الأنظمة والتفاوض مع الوكلاء آخذين في الاعتبار مصالح كافة الأطراف.

مخالفة الاشتراطات
يؤكد الاستشاري الدكتور عبد الحفيظ خوجة مدير مركز المساعدية التخصصي بمستشفى الملك فهد بجدة أن سحب أدوية بعينها من الصيدليات يتم بأمر وتوجيه من الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية لأسباب مختلفة؛ منها مخالفة اشتراطات التصنيع، وعدا ذلك فيكون نقص أي دواء بالصيدليات بسبب الوكيل أو تأخر الشحنة من الوصول إلى نقاط البيع.
وأضاف «هذا ما نلاحظه أيضا حتى في صيدليات وزارة الصحة فيكون هناك عجز في أصناف بعينها غير متوفرة، وفي هذه الحالة يتم أخذ البديل المناسب بعد استشارة الطبيب المعالج».
وحول ما إذا كان هناك أي أسباب تجارية حول سحب الأدوية تمهيدا لرفع سعرها قال: «كحل لهذه المشكلة إن وجدت يكون بتكثيف الرقابة وتشديدها من هيئة الغذاء والدواء، وقريبا سوف يطبق نظام اعتماد المنشآت الصحية؛ ومنها الصيدليات
الذي بدأ منذ عدة سنوات في المستشفيات الحكومية بوزارة الصحة، ثم الخاصة الكبيرة وهو منح شهادة الاعتماد من سباهي بعد الوقوف على كافة أمور الصيدلية والتأكد من تطبيق كافة الإجراءات والأنظمة».

للسحب أسبابه
من جانبه، قال مستشار الإعلام الصحي الصيدلي صبحي الحداد:» في كل دولة هناك جهة رقابية مسؤولة عن السماح بتسويق الأدوية والمستحضرات الطبية والتكميلية وفي نفس الوقت هي أيضاً مسؤولة عن سحبها أو تعليقها أو منعها من التداول، فمثلاً هنالك بعض الأدوية يتم المصادقة على استخدامها وتسوق في بعض البلدان أو في بلدان العالم كافة، ثم تظهر لها أعراض جانبية ومخاطر في الاستخدام لم تظهر في التجارب السريرية؛ لذلك تقوم الجهات المختصة بسحبها من الأسواق فمثلاً وكالة الأدوية الأوروبية هي المسؤولة عن إجراءات المصادقة من عدمها وحتى سحب الدواء من الأسواق في بلدان الاتحاد الأوروبي. بينما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن هيئة الغذاء والدواء FDA هي المسؤولة عن ذلك، ومثلها موجود في المملكة العربية السعودية SFDA. وتابع الحداد» في العادة يكون هناك عدة أسباب لسحب أو تعليق أو إيقاف أي دواء مؤقتاً أو بصفة دائمة ، ومن تلك الأسباب على سبيل المثال: سحب تشغيلة دوائية معينة لعدم مطابقتها للمواصفات المعتمدة، عدم تطابق ترجمة النشرة الداخلية للدواء باللغة العربية عن اللغة الإنجليزية، عدم التكافؤ الحيوي للدواء مع المستحضر المرجعي، أي لايؤدي لتأثيرات علاجية، وجود شوائب في المستحضر بسبب عدم تطبيق أسس التصنيع الجيد، وجود آثار جانبية خطيرة ظهرت بعد الاستخدام، مشيرا إلى أن الأمثلة كثيرة على أدوية تم سحبها من الأسواق خلال السنوات الماضية مثل: جوسبرين أقراص ، زانتاك ، أوميز ، ريدكتيل اقراص ، بروفينال شراب للأطفال ، ميبفرين للقولون ، جلوكير اكس آر منظم السكر.
مؤكدا في الوقت ذاته وجود مركز للتيقظ الدوائي تابع للهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية يستقبل البلاغات من الممارسين الصحيين والمشافي والمراكز الطبية وغيرهم عند حدوث أي أعراض جانبية، أو خلل في جودة المنتجات الدوائية.

توقف الشحن
وأضاف الدكتور صبحي بقوله: ‎فيما يتعلق بنقص الكثير من الأدوية الفترة الماضية، فإن ذلك في اعتقادي يعود إلى توقف الشحن والإمدادات بسبب جائحة كورونا، ‎أما في موضوع قطرات العيون تحديداً، فإنه- وحسب علمي، ‎تم تحويل قطرات مرطبات العيون التي كانت في السابق تسجل وتسعر كدواء إلى أجهزة طبية بدون تسعير، و طبعا سيتم مضاعفة أسعارها بعد سحب الكميات من السوق، وتابع» للأسف هذا قرار غير حكيم من هيئة الغذاء والدواء حيث كان المفروض عند تحويلها إلى قطاع الأجهزة أن يستمر تسعيرها‎، كما أن القطرات المسجلة كدواء ستختفي لأن المنافس سعره عال، والخصم بدون سعر رسمي، وليس كل القطرات سيتم تحويلها لأجهزة كتصنيف؛ لأن هنالك قطرات لها مفعول دوائي لم ‎تنقل واستمرت في قطاع الدواء، وهنالك أنواع انتقلت لقطاع الأجهزة وهي التي سترتفع أسعارها، ‎وإذا لم يتأثر السعر فالسبب الرئيس هو الاستيراد أو تغيير الوكيل.

غرامات باهظة
أما الصيدلي أسامة محمد صالح سجيني ماجستير تحليل أدوية ومسؤول سابق بالرخص الطبية والصيدلانية بصحة جدة فقال:
أنا لا أعتقد أن يحدث رفع سعر للأدوية المسجلة والمسعرة، لأن التسعيرة علي العبوة مطبوعة من المصنع، وليس من السهل بيعها بسعر أعلى من التسعيرة الرسمية أو محاولة تغيير السعر أو تعديله أو شطبه؛ لأن ذلك يعتبر مخالفة يعاقب عليها النظام بغرامات باهظة.
ويتداخل الصيدلي حسام عبدالملك مدير صيدلية بسمة بجدة قائلاً:
مع احترامي وتقديري الشديدين لحرصكم واهتمامكم بسوق الدواء الدائم والمستمر، ولكن أعتقد أن هذا الأمر-انقطاع الأدوية- يتعلق بوكلاء الأدوية وليس بالصيدليات، فما علاقة الصيدلية بضمان انتظام توفير الأدوية، إذا كان الدواء أصلاً غير متوفر في السوق، فالصيدلية توفر الدواء إذا توفر عند الوكيل.

تخفيضات
وقال الصيدلي أحمد جلال: شهدت الفترة الماضية إعادة تسعير لكثير من الأدوية بمختلف أنواعها من الأقراص و قطرات العيون وبخاخات الربو، وغيرها من الأدوية، فقد انخفض سعر قطرة Optive الخاصة بترطيب العيون من ٥٥ إلى ٢٦ ريالا ودواء atorva الخاص بخفض نسبة الكوليسترول فى الدم من ١٦٥ ريالا إلى ٤٣ ريالا، وبخاخ الربو symbicort من ١٨٩ إلى ١٧٠ ريالا، ودواء Rispersal من ٢٦٠ إلى ٤٠ ريالا، ما كان له أبلغ الأثر فى التخفيف عن كاهل المرضى.

ضمان توفر الأدوية
وقد أكدت الهيئة العامة للدواء والغذاء لـ « البلاد « أن آليات الرقابة على الصيدليات تتم لضمان انتظام توفر الأدوية، لافتة إلى أن وزارة الصحة تقوم بالرقابة على الصيدليات الأهلية لضمان انتظام توفر الأدوية في السوق السعودي، وذلك حسب الاختصاص، علماً أن الهيئة قدمت عدة مبادرات تهدف إلى ضمان استمرار توفر الأدوية وتفادي انقطاعها وذلك من خلال إتاحتها التالي: خدمة الإبلاغ عن نقص الكميات التي تمكن الجهات الصحية من الإبلاغ عن نقص، أو توقع انقطاع مستحضر، وذلك عبر نظام تيقظ ، مبادرة الصيدليات المرجعية، التي تهدف إلى توفر المستحضرات المهمة لأفراد المجتمع وذلك بالتعاون مع وزارة الصحة.

آلية التسعير
وفيما يتعلق بآلية تسعيرة الأدوية، قالت الهيئة:
تقوم الهيئة العامة للغذاء والدواء بتسعير الأدوية في المملكة استنادًا إلى نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية و العشبية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/108 بتاريخ 22/8/1441هـ وكذلك بناء على قواعد تسعير المستحضرات الصيدلانية المعتمدة من مجلس إدارة الهيئة بالقرار رقم 12-26-1442 بتاريخ 22/3/1442هـ. والتي تهدف بشكل عام للوصول إلى سعر عادل يضمن توفر الدواء.
وأضافت الهيئة: إن التسعير المرجعي للأدوية يكمن في نقطتين أساسيتين؛ وهنا يتم مقارنة سعر الدواء المقدم للتسجيل مع الأدوية المماثلة أو المشابهة له، والمسجلة بالهيئة كذلك يتم مقارنة سعر الدواء المقدم للتسجيل مع الأسعار المعتمدة له في الدول المسجل بها.
وأن القيمة العلاجية المضافة للمستحضر، تكون عادة للمستحضرات المبتكرة بحيث يتم مقارنة المستحضر المقدم للتسجيل بالبدائل المسجلة والمتوفرة في المملكة وتحديد القيمة المضافة حسب الدراسات الاقتصادية والإكلينيكية.

رقابة على المستودعات والصيدليات
وردًا على سؤال لـ « البلاد « حول ما يتردد عن سحب أدوية تمهيداً لإعادة طرحها بسعر أعلى قالت الهيئة:
تخضع الأدوية في الصيدليات ومستودعات الأدوية إلى رقابة صارمة من قبل الهيئة؛ بحيث لا يتم التصرف بأي مستحضر إلا بعد موافقة الهيئة بعد التأكد من مطابقته للشروط و المواصفات المعتمدة له، ومنها السعر المطبوع على العبوة أو الباركود. بحيث لا يمكن تعديله أو وضع ملصق خارجي عليه إلا بعد موافقة الهيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *