جدة- ياسر بن يوسف
اصبح الضجيج في عصرنا الحاضر من أكبر عوامل التلوث، خاصة في المدن حيث تزدحم بأصوات وسائل النقل المختلفة والآلات الحديثة الأخرى التي تساهم في إنجاز الأعمال المدنية في الشوارع والطرقات .
ولهذا فإن التحكم في الضوضاء أصبح مشكلة تشغل ذهن العلماء المهتمين في جميع أنحاء العالم، وهم يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى المستوى المناسب والممكن السماح به لشدة الصوت .
وتعتبر الضوضاء أو الضجيج المستمر نوعاً من أنواع التلوث الفيزيائي، فصار الإنسان اليوم يعيش وسط محيط هائل من الأصوات المزعجة التي تحيط به أينما ذهب، حتى أصبح من الصعب عليه أن ينعم بالراحة والهدوء والسكينة .
ففي الشارع توجد السيارات الكثيرة وتنطلق اصوات آلات البناء ورصف الطرق . . وفي المكتب تشتغل أجهزة تكييف الهواء .
وفي المنزل تصدر أجهزة الراديو والتلفاز والتسجيل والغسل والكنس والآلات الأخرى ضوضاء تحطم الهدوء المنشود.
وأكد مختصون ومواطنون لـ( البلاد ) أن رقي المجتمعات أصبح يقاس بانخفاض منسوب الضوضاء لافتين إلى أن الضجيج أصبح في العصر الحديث من أكبر عوامل التلوث في الهواء شدة، وخاصة في المدن ؛حيث تزدحم بأصوات وسائل النقل المختلفة والآلات الحديثة الأخرى التي تساهم في إنجاز الأعمال المدنية في الشوارع والطرقات.
وفي هذا السياق قال المحلل الإحصائي بجامعة نايف للعلوم الأمنية بندر بن علي المنقور أن التحكم في الضوضاء أصبح مشكلة تشغل ذهن العديد من المهتمين بموضوع التلوث الضوضائي المزعج والمنفر وايضا للباحثين عن “احياء سكنيه راقية” يعمها الهدوء والسكينة وبعيدة عن الصخب والضجيج، فالضوضاء تعرف بأنها الأصوات غير المرغوب في سماعها.
ومصادرها تكون متعددة سواء أكانت طبيعية مثل البرق والرعد والأعاصير، أم غير طبيعية وتصدر من قبل الإنسان مثل الأصوات الصادرة عن آلات المصانع ومكبرات الصوت ووسائل النقل والمواصلات وآلات التنبيه والموسيقى الصاخبة، وتنتشر في الهواء والمنازل والشارع ووسائل المواصلات وهي أصوات غير مستحبة للعديد من الناس لكونها مجموعة نغمات مختلطة بصفة عشوائية. ورغم وجهات النظر تختلف وتتباين حول وصف الأصوات العالية بأنها «مزعجة»، أم أنها مجرد أصوت عادية تبعاً للظروف المحيطة بهذا الصوت .
تأثير الضوضاء
وقال سليمان بن عطالله بطيحان العرادي رئيس مؤسسة خاصة للمقاولات والعقارات بقوله : سُنت قوانين حماية البيئة، والتي تنص على أنْ «تلتزم جميع الجهات والأفراد عند مباشرة الأنشطة الإنتاجية أو الخدمية أو غيرها وخاصة عند تشغيل الآلات والمعدات واستخدام آلات التنبيه ومكبرات الصوت بعدم تجاوز الحدود المسموح بها لشدة الصوت» حيث تقاس شدة الصوت بوحدة تسمى «الديسيبيل» ولفهم معنى شدة الصوت يكفى أن تعرف أن شدة صوت الهمس 30 ديسيبيل وشدة المحادثة العادية من 50 إلى 60 ديسيبيل وشدة صوت آلة التنبية بالسيارات من 90 إلى 100 ديسيبيل ومكبرات الصوت من 100 إلى 140 ديسيبيل وهو ما يمثل الضوضاء الخطرة. كما تمثل تجاوزاً لحدود اللياقة وانتهاكاً لخلوة الإنسان الخاصة ونمط حياته.
ولقد أثبتت الدراسات والبحوث أن الضوضاء العالية تسبب مع الزمن أضراراً بالصحة بصورة عامة.
ويقول بعض المتخصصين: إن النائم يتأثر بالضوضاء عندما يصل منسوبها إلى أذنيه (20 ديسيبل) ولم يُعرف إلى الآن لماذا يتأثر النائم بهذا المنسوب المنخفض من الضوضاء وعلى الرغم من أن هذا المنسوب لا يسبب إيقاظ النائم إلا أن استمرار النوم مع وجود الضوضاء يؤدي إلى أضرار صحية .
مشاكل نفسية
من جهته أوضح المواطن عبد العزيز حمد العجيان بقولة إن أثر الضوضاء على الإنسان اخذ نصيبه من الأبحاث العلمية فقد يُسبِّب التلوُّث الضوضائي مشاكل في الصحّة النفسية لدى الأشخاص الذين يتعرّضون له، مثل: اضطرابات السلوك، والهلوسات، كما أنّه يُسبّب القُرَح الهضميّة الناتجة عن الضغط النفسيّ، بالإضافة إلى الشعور بالتعب، كما قد يتسبّب التعرُّض للتلوُّث الضوضائي لفترات قصيرة في إصابة الإنسان بفُقدان السمع المُؤقَّت، بينما يُؤدّي التعرُّض الدائم للتلوُّث الضوضائي إلى تضرُّر حاسّة السمع لديه، وقد تُفضي إلى إصابته بفقدان السمع الدائم، وتبدأ مرحلة الضرر عندما ترتفع شدة الأصوات عن 80 ديسيبيل، وهي مُكافِئة لأصوات سَير الشاحنات في الشارع .
وبين بأن هناك دراسة أخرى أجراها مجموعة من الباحثين منهم «شارلوت كلارك» و«لورانس دي فرانك» في لندن عام 2017، ونشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، كشفت الدراسة عن علاقة وثيقة بين حركة المرور على الطرق وحالات مرض السكري من الفئة الثانية، وذلك من خلال دراسة تأثير ضوضاء وسائل المواصلات لمدة 5 سنوات على بعض السكان المصابين بالسكري، وآخرين لأربع سنوات فقط، وكانت النتيجة هي ارتفاع نسبة السكري لدى الأفراد عند زيادة مدة التعرض للضوضاء، بما فيها الضوضاء التي تُحدثها السكك الحديدية والمطارات، وكثير من مناطق العمل المزعجة.
أمراض القلب
وأكد المواطن عبد الله بن يتيم العنزي فمن أكثر الآثار المترتبة على تواجد البشر في الضوضاء المستمرة هي أمراض القلب وفقاً لدراسة تمت في العام 2013 على عينة صغيرة من الناس في لندن.
فقد وُجد أن ارتفاع مستويات الضوضاء بالقرب من المطارات يرتبط بزيادة مخاطر دخول المستشفى، والوفاة بسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، وأمراض القلب التاجية والأوعية الدموية في كثير من المناطق المجاورة.
مع زيادة مستوى الضوضاء، يزداد ارتفاع ضغط الدم، وتركيزات هرمونات الدم والمواد الدهنية التي ينقلها الدم، وتحديداً عند النوم، وتتراكم هذه المواد مع مرور الوقت لتسد الأوعية الدموية وتسبب النوبات القلبية. واستطرد بأن الجهود المبذولة في هذا الموضوع يجب ان يطبقها الجميع للمحافظة على الاخرين بكافة الطرق والوسائل.
ضوابط واشتراطات
ومن جانبها أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة، بدء تنفيذ اللائحة التنفيذية للضوضاء في المملكة، بناءً على المادة 48 من نظام البيئة.
وأوضحت الوزارة أن أحكام هذه اللائحة تسري على جميع الأشخاص في المناطق السكنية والتجارية والصناعية والحساسة بيئياً، إضافة إلى جوانب الطرق ومواقع البناء. مشيرة إلى أن اللائحة لا تشمل الضوضاء داخل المباني، والأنشطة العسكرية وصافرات الإنذار، إلى جانب المطارات والسكك الحديدية والأنشطة التشغيلية في الموانئ والاحتفالات الوطنية. وتهدف اللائحة إلى تحديد نطاق عمل المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي فيما يتعلق بمراقبة التزام الأشخاص بمقاييس مستويات الضوضاء الواردة في اللائحة، والرصد والتقييم الدوري لمستويات الضوضاء في جميع أنحاء المملكة، إضافة إلى إعداد الضوابط والاشتراطات المتعلقة بالرصد والقياس والرقابة على مستويات الضوضاء وخطط تخفيضها، ونشر المعلومات والبيانات والتقارير البيئية المتعلقة بالضوضاء وفق ما تحدده الوزارة، إلى جانب اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة عند اقتراب الأشخاص من تجاوز الحدود المسموح بها لمستويات حدود الضوضاء.
وأشارت الوزارة، إلى أن اللائحة نصت على عدد من المخالفات والعقوبات، منها: عدم تزويد المركز بالبيانات المتعلقة برصد مستويات الضوضاء التي يطلبها، وعدم التقيد بالأوقات وحدود الضوضاء المسموح، وعدم إعداد خطة عمل لتخفيض مستويات الضوضاء بعد تلقي إشعار من المركز، إضافة إلى عدم التقيد باشتراطات وضوابط التصاريح المتعلقة بالضوضاء، وعدم تقديم تقارير للمركز عن التقدم المحرز بشأن تطبيق خطة الامتثال بحدود الضوضاء المسموح بها.
رصد مصادر التلوث المركز الوطني للالتزام البيئي، يعمل على مراقبة الالتزام البيئي لجميع المنشآت ذات الأثر على البيئة في كافة القطاعات التنموية، والإشراف على برامج رصد مصادر التلوث البيئي ورصد الأوساط البيئية، ومراقبة جودة الهواء والماء والتربة، إضافة إلى إقرار دراسات الأثر البيئي، وإصدار التراخيص البيئية لجميع المشاريع التنموية، والتفتيش البيئي على المنشآت، إلى جانب التنسيق مع الجهات ذات العلاقة للارتقاء بالالتزام البيئي.
وكانت أمانة محافظة جدة في وقت سابق أعلنت التنظيم الجديد لأوقات أعمال البناء للمشاريع الإنشائية داخل المحافظة اعتباراً من شهر شوال المقبل وذلك وفق الضوابط المعتمدة، بهدف معالجة الملاحظات المتعلقة بحركة المعدات وضبط الأعمال الإنشائية في المدينة والحد من مصادر الضوضاء داخل الأحياء السكنية.
وأوضحت الأمانة أن التنظيمات الجديدة حددت الوقت الكامل لأعمال البناء لتكون خلال الفترة الزمنية من الساعة الـ 6 صباحا حتى الـ 6 مساءً، ويوم السبت من الساعة الـ 1 مساءً حتى الـ 6 مساءً، في حين أنها لا تسمح بالعمل يوم الجمعة، كما حددت توقيت الأعمال التي تنتج ضوضاء تصل لـ 90 ديسيبل لتكون من الساعة الـ 9 صباحا حتى الـ 5 مساءً، وذلك لضمان توفير الحد المقبول من السلامة والراحة لساكني المباني المجاورة.
وأشارت الأمانة إلى أن التنظيم يلزم المقاولين بالإعلان عن أعمال الصب الخرساني وتنبيه أصحاب العقارات المجاورة قبل مباشرة العمل بـثلاثة أيام، كما يمكن منح تصاريح عمل طارئ في الحالات الطارئة، لافتة إلى أن تنظيمات أعمال البناء تتم مراجعتها بشكل دوري بهدف التحسين والتطوير وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.