تراءت لي الكثير من الخواطر وأنا أشاهد لقاء سمو ولي العهد حفظه الله والذي حظي بردود فعل مميزة في مختلف الوسائل الإعلامية محليا وعالميا. يستحق هذا اللقاء التحليل الذي ناله والذي تنوع تصنيفه في رأي ما بين تعريفي و تحفيزي و توعوي. و يستحق أن تدرج أجزاؤه و ملخصه في المناهج السعودية.و تابع الجميع اللقاء الذي شد المشاهد و الذي استمر ساعة و نصف بين في تنقل ممتع ما بين الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية و التشريعية و السياسية.
فقد جاء تأكيده على النظام الأساسي للحكم بأن دستور المملكة العربية السعودية هو القرآن الكريم و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام تصريحا جوهريا محليا و دوليا. و استرسل في شرح جميل للمستمع عن أنواع الأحاديث و أهمية التحري في أنواعها الموجبة للتطبيق من عدمها. وقد أكد حفظه الله على خطورة الغلو و الاستناد إلى الأحاديث الضعيفة والذي كان يعيق جودة الحياة و سعادة المواطنين و المقيمين. فباب الاجتهاد مفتوح لدين كل زمان ومكان و هذا ما كان يحاول إغلاقه المتشددون.
عند سؤال المديفير إذا كنا نحرق المراحل و نسير بسرعة أكثر مما يجب رد ولي العهد بحكمة بالغة بأن ترك أي فرصة قابلة للتحقيق هو “تقاعس”. رجعت بي الذاكرة الى 25 عاما عندما كنت رئيسة تحرير لمجلة “بنات جدة” باللغة الإنجليزية في المرحلة المدرسية 1994-1995 . كتبت مقالا عن أحلام مراهقة سعودية منها قيادة السيارة و حضور المباريات و عمل المرأة في القطاع الأمني و قدرتها على السفر بدون أي تعقيدات.
واليوم بفضل رؤية ٢٠٣٠ تحققت كل هذه الأحلام وجميع ما اعتبرته مستحيلا في الماضي أصبح حقيقة وواقعا نعيشه. لكن يظل التحدي اليوم للأسرة السعودية هو تعزيز الهوية الوطنية ووضعها في الميزان.
فقد سعدت وكلي فخر بجزئية ولي العهد عن الهوية الوطنية متمثلا ” إذا هويتك لم تستطع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم معناته هويتك ضعيفة و يجب أن تستغني عنها و إذا هويتك قوية و أصيلة تستطيع أن تنميها و تطورها و تعدل السلبيات فيها و تحفز الإيجابيات فيها معناته أنك حافظت على الهوية و قوتها ” ..” أعتقد أن هويتنا قوية للغاية نفتخر فيها. هي جزء رئيسي من صنعي أنا و أنت و كل مواطن سعودي . هي جزء رئيسي من الحراك الذي حاصل في المملكة بسبب هويتنا السعودية المبنية على الهوية الإسلامية و العربية و إرثنا الثقافي و التاريخي”.
الأجيال المخضرمة التي عاشت ما قبل الرؤية وما بعدها، أجيال مرسومة المعالم مقارنة بجيل اليوم الذي ينشأ في ظروف مختلفة تماما ويواجه تحديات وخاصة في ظل المتغيرات من الانفتاح وثورة المعلومات والاتصالات والغزو الثقافي والفكري الذي يواجهه أبناؤنا وخاصة ممن ضعف لديهم الاهتمام الأسري. يواجه الجيل اليوم تحديات في اللغة والأخلاق والدين في ظل العولمة والفتن والإباحية والإلحادية واللاأدرية أو الأغنوستية.
فقد أصبحت التربية اليوم أصعب بكثير مما كانت عليه في جيل والدينا عندما كان الأهالي يشعرون بالأمان كون الأبناء في بيوتهم. تغير الزمان حيث أصبحت غرف النوم اليوم مفتوحة للعالم أجمع بحلوها و مرها، بجمالها و وحشيتها من خلال الأجهزة المختلفة. لذلك الحمل أكبر و الجميع مسؤول عن تعزيز الهوية الوطنية في البيت و المدرسة و الجامعة و المنابر الإعلام و المجتمع .كما وجهنا خادم الحرمين الشريفين في خطابه بمجلس الشورى:” لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا و يستغل عقيدتنا السمحاء لتحقيق أهدافه ، و لا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الإنحلال”. فإن جزئية الهوية السعودية في اللقاء رسالة قوية و قد خصص برنامج لها من بين برامج رؤية 2030.
أما للمهتمين بالجانب السياسي فإن جزئية ولي العهد بأن الرياض تطمح لإقامة علاقات جيدة مع إيران و يعول على عروبة الحوثي و خاصة بعد المبادرة السعودية الخاصة بإنهاء حالة الحرب في اليمن . فإن تلك التصريحات جاءت بمثابة دروس في الدبلوماسية و في التعامل الحضاري الراقي مع الأحداث الصعبة.
أسأال الله أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا و يرزقهم البطانة الصالحة لما فيه الخير والصلاح تحقيقا لرؤية 2040 و ما بعد .