لماذا تتحدث عن كل ما يخصك، بحجة انك تعرف المتحدث اليه جيداً، أو بدافع ارتحت له نفسياً؟
لماذا تعطي الناس مفاتيح أذيتك بنفسك؟
لماذا تذكر نقاط ضعفك وأماكن وجعك؟
ثم تأتي بعد ذلك تندب خيانة صديق أو طعن قريب، إن الكلام فن وذوق ومهارات أمر نعرفه جميعنا، ونسعى دائماً وعلى الدوام لتعلمه وإتقانه إلا أن السكوت هو فن من نوع آخر، يحفظك من كل أذية، ومن كل سوء، فن السكوت لا يعني الصمت فحسب، بل يعني ما بعد الصمت ماذا سيكون، فالصمت أداة استفزاز بارعة في إخراج ما في قلوب الناس عنك، والصمت أداة أمان تحفظك من كشف نقاط ضعفك للآخرين، والصمت أداة تجعلك تتقن الاستماع لمن هم حولك، والصمت سلاح لحل الأزمات باللين، بعيداً عن العنف والقوة الصمت ترفّع عن المجادلة والنقاش، وعن التفاهات والنزاعات، وعن تفسيرات الكلام فالسكوت فن عميق صعب التمرس والممارسة، فهو أقوى بالتعبير، أصدق في توصيل الرسالة، وأعمق في التأثير لذلك، المسرح الصامت أصعب وأصدق وأقوى من ذاك المليء بالكلام، والفن الصامت أرقى وأعمق من ذاك المحشو بالكلمات.
الصمت يطلق العنان للجميع أن يكشف لنفسه عن نفسه، كيف يفكر ويفسر الاشياء دون دلالات لها سوى مشهد صامت يتيح له حرية التفسير، الصمت تقرير نفسي يعبر لك عنك، لذلك فلتنجُ بنفسك من منعطفات الحياة، تكلم قليلاً، واصمت كثيراً، اعطِ معلومات سطحية عنك، لا تتعمق في الحوار والنقاش مع أي شخص لا تثق به، وإن وثقت به، لا تكشف كل أوراقك له، وإن كنت تحتاج إلى الكلام تكلم لمختص يحفظ سرك ويعطيك رأياً محايداً عنك، وينجيك ويطورك من دون أن يأتي يوم يذكرك بأنه فعل لك شيئاً من هذا انتبه. السكوت فن لا يفهمه سوى من يتقن التعامل مع نفسه.